في الوقت الذي تشير المعطيات القائمة إلى أنّه من المبكر إعادة فتح الاقتصادات في ظلّ استمرار فيروس كورونا المستجد، هناك قائمة تتضمّن محاور عدّة تحتّم على الحكومات حاليّاً ضرورة ذلك.
وبخلاف خطط التحفيز الضخمة التي أعلنتها الحكومات، فإنّ المخاطر التي خلّفها الفيروس ما زالت قائمة حتّى الآن، حيث تشير التقارير إلى أنّ الاقتصاد العالمي يواجه أزمة أكبر وأعنف من الكساد العظيم الذي واجه الاقتصاد العالمي في ثلاثينيّات القرن الماضي بمرّات عدّة.
ويشير تحليل حديث إلى أنّ استعادة النشاط الاقتصادي أصبح العنوان الرّئيسي والأبرز في إجراءات دول العالم التي تواجه فيروس كورونا المستجد، فعقب فترة تصل إلى أشهر من تبنّي إجراءات الإغلاق والحظر، رفعت العديد من الدول القيود على الأنشطة الاقتصاديّة مع تبنّي تدابير احترازيّة لمواجهة احتمالات “الارتداد الوبائي” وظهور موجة ثانية لتفشّي الفيروس، وعلى سبيل المثال بدأت ألمانيا في 21 نيسان الماضي بفتح بعض المحال التجاريّة مع تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أنّ بريطانيا ستُعيد فتح آلاف المتاجر في الشوارع الرئيسيّة والمتاجر الكبرى والمراكز التجاريّة خلال حزيرن المقبل، بينما أعلنت اليابان قبل أيّام، رفع حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وأيضاً توقّعت محافظة طوكيو، يوريكو كويكي، أنّ “العاصمة ستدخل بسرعة إلى المرحلة الأولى من رفع القيود إذا أنهت الحكومة حالة الطوارئ، وسيسمح ذلك للمكتبات والمتاحف باستئناف نشاطها، وستظلّ المطاعم مفتوحة لفترات أطول في المساء، حيث ستتضمّن المراحل التالية إعادة فتح المسارح ودور السينما وأرض المعارض”.
وبالنسبة للنتائج الاجتماعيّة والنفسيّة للمستهكلين، بالتزامن مع الاقتصاد الذي خلّفه انتشار فيروس كورونا، التي تتّضح في التحليل الذي أعدّه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدّمة، فتشير إلى صعود “الذعر الاستهلاكي”، حيث تُدرك الحكومات جيّداً أنّ انتشار الأوبئة من شأنه أن يولّد حالة من الخوف لدى المستهلكين تجعل التنبّؤ بردّ الفعل الاستهلاكي أمراً صعباً للغاية.
فالانخفاض الحادّ في معدّلات الاستهلاك لا يتناسب تماماً مع معدّلات انتشار المرض، وبمعنى آخر فإنّ كل إصابة جديدة لا يقابلها قيام، ستهلك واحد بخفض استهلاكه بل العشرات منهم، في ما يُعرف “بالمرونة السلوكيّة للانتشار”.
وهذا السلوك المرن الناتج عن شعور الخوف يسبّب انخفاضاً حادّاً في الطلب الكلّي، ويؤثّر سلباً على نمو الناتج المحلّي الإجمالي بغضّ النظر عمّا إذا كانت العدوى تنتشر بنفس معدّلات الانخفاض في الاستهلاك من عدمه، وفي تلك الحالة، يكون سلوك حكومات البلدان التي لم ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير ميّالاً إلى التعليق الجزئي للنشاط الاقتصادي مع الإبقاء على الخدمات الحيويّة، وذلك للتخفيف من آثار الذعر الاستهلاكي المتوقّعة طالما سمح الوضع الصحّي بذلك، في حين تميل الدول ذات معدّلات الإصابة المرتفعة جدّاً إلى حظر شبه كلي للنشاط الاقتصادي طالما أن الوضع الصحّي أصلاً لا يسمح بالتعامل مع الحالات الموجودة بالفعل.
ولذلك تكون قرارات عودة النشاط الاقتصادي متناسبة صعوداً وهبوطاً مع المرونة السلوكيّة للمستهلكين، وتأخذ في الاعتبار أنّ شعور الخوف كما أسهم اقتصاديّاً في خفض حاد وسريع في معدّلات الطلب، ممّا قد يسبّب صعوداً بطيئاً نسبيّاً في هذه المعدّلات في حالة إعادة فتح عدد من أنشطة السوق، لذلك فإنّ الإعلان عن عودة جزئيّة للنشاط الاقتصادي من شأنه أن يلعب دور “بالونة الاختبار” لما وصل إليه شعور الخوف بالنسبة إلى المستهلكين، خصوصاً أنّ هناك فترة إبطاء بين اتخاذ القرار الاقتصادي وظهور آثاره، وهي قد تطول إذا ظلّت معدّلات الذعر الاستهلاكي في مستويات مرتفعة رغم الانحسار الرّقمي في معدلات الإصابة.
ولفت التحليل إلى أنّ الحكومات تكافح من أجل تفادي وضع “الكساد”، فعلى الرغم من اتفاق الدول على الإجراءات الاحترازيّة المتّبعة، فإن الأداء الاقتصادي وتأثير غلق النشاط على مؤشرات الاقتصاد يتباين من دولة إلى أخرى، وفي الهند، على سبيل المثال، فالقطاع الغذائي وخصوصاً الزراعي، يجذب أكثر من 50 في المئة من القوّة العاملة، وتعطيل هذا القطاع الاقتصادي قد يعُجّل بتحوّل حالة الركود إلى كساد، ممّا سيؤثّر على قطاعات الاقتصاد الأخرى، ومنها القطاع الصحي، وهو ما تسعى الدول لتفاديه.