رئيس التحرير

سراب حسان غانم

المدير التنفيذي

رماح اسماعيل

تاريخ الصراع السوداني الإثيوبي على الفشقة

نشر في

31 مايو، 2020
سلايدر, عصب السودان

تمتد جذور الصراع على الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا إلى 1958حين ظهر نشاط ما يُسمى بالشفتة الإثيوبية بأسلحة تقليدية بدائية الصنع، ولذلك فإن التصعيد والتوترات العسكرية الأخيرة على ليست وليدة الأشهر أو السنوات الأخيرة فقط.

 وكان للنخب السياسية السودانية دور كبير في ترسيخ ودعم الصراع الأخير، بغض الطرف عن الاختراقات الأثيوبية، بناءاً على تلاقي المصالح بينها والحكومة الإثيوبية القائمة حينئذٍ، ويكفى مثالاً لذلك الاتفاق السري الشهير 1996، الذي تم عقب تأسيس ولاية القضارف بين وإليها “الشريف بدر” وحكومة “الامهرا والتقراى”، والذي هدف لوقف تسلل المعارضة السودانية مقابل إطلاق يد إثيوبيا للزراعة داخل الأراضي السودانية شرق العطبراوي المتاخمة لإقليم الامهرا، المعروفة باسم الفشقة الصغرى.

وتتراوح المساحة التي جرى استغلالها من قبل الإثيوبيين لعمق يتراوح  بين 15 إلى 25 كيلو متراً على طول الفشقة الصغرى والكبرى وبمساحة تتجاوز 1000000 (واحد مليون) فداناً كلها شرق نهر عطبرة، وتأثرت بذلك كل القرى شرق النهر ونزح مواطنوها بالقرى غرب النهر كمهجرين، أما النازحين حالياً فهم من منطقة بركة نورين ومشروع الفرسان المتأثرة بالاعتداء الأخير وهى من قرى غرب النهر.

وتمتاز أراضي الفشقة الصغرى والكبرى بأنها زراعية طينية منبسطة وهي من أخصب أراضي القضارف، وأكثرها معدلاً للأمطار، وكثافةً في إنتاج الذرة والسمسم بجانب عدد كبير من المحاصيل، وجرى الاستيلاء على ما يزيد عن 150 مشروعاً منذ السبعينات، وقام الإثيوبيون بتركيب طلمبات على نهر عطبرة، وأنشاء قرى زراعية المعروفة باسم (الكنابي)، وتشييد المخازن بالمواد الثابتة، واستخدام الآلات الزراعية بل وصيانتها في مدن العمق السوداني (دوكة والقضارف).

ويشير المراقبون بأن الأقاليم الأثيوبية الثلاثة المحادة للسودان- التقراى شمالاً والامهرا وسط وبنى شنقول قمز جنوباً، لا تخضع خضوعاً تاماً للقبضة القوية للسلطات المدنية ويحركها دائماً المكون العسكري شبه المستقل في تلك الأقاليم، ويكفي أن مليشيات الامهرا وأكثرها من الجنود المسرحين من قوات الدرك الإثيوبي بعد فرار الرئيس الأسبق منقستو هايل ماريام هي التي تقود المناوشات، وتنفذ احتلال واستزراع الأراضي السودانية بمساحة تجاوزت المليون فدان بالفشقتين الصغرى والكبرى، وكل ذلك حسب المتابعة بإيعاز ودعم خفي من مخابرات بعض الجهات الدولية ذات المصلحة في زعزعة الأوضاع.

إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن الجانب الإثيوبي مهد ومنذ عدة سنوات طريقاً زراعياً من داخل إثيوبيا من شمال بلدة المتمة الأثيوبية ماراً بالمناطق الزراعية السودانية المحتلة، ليعود ويدخل الحدود الأثيوبية جنوب بلدة عبد الرافع الأثيوبية، وذلك لتسهيل حركة مزارعيهم ونقل المحاصيل إلى داخل العمق الإثيوبي.

بالمقابل فان حالة الاستنفار الأمني السياسي السوداني ظلت متفاوتة من وقت لآخر حسب تطور الأحداث، بينما ظل المزارعون السودانيون في حالة تصعيد دائمة بالشكاوى والمذكرات منذ عدة سنوات حيث تأثر أغلبهم، وهم خليط من كبار وصغار المزارعين اقتصادياً وهجروا مشاريعهم لأكثر من 30 عاماً لعدم الاستقرار وتقصير الدعم الرسمي سياسياً وعسكرياً.

وظل الأمر سجالاً بين اعتداء يعقبه اعتذار و لجان عسكرية و سياسية تصل لاتفاق في المركز بينما ما تقوم به المليشيات على الأرض أمر آخر، إلا أن الثابت أيضاً أنه لا يمكن أن تجري مثل هذه الأحداث والتحركات العسكرية للمليشيات وفي منطقة تعتبرها إثيوبيا “كعب إخيلي” لأمنها القومي دون معرفة  الحكومة المركزية على أقل تقدير إن لم يكن مباركتها المبطنة.