لا يعد التصويت في الانتخابات عبر البريد طريقة جديدة لإدلاء الناخبين بأصواتهم في الولايات المتحدة، لكنه يحظى باهتمام في الفترة الأخيرة بسبب جائحة كورونا التي قلبت الحياة اليومية للأميركيين.
لكن التصويت عبر البريد بات محل جدل سياسي مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث شن بعض الجمهوريين أبرزهم الرئيس دونالد ترامب، حرباً ضد توسيع التصويت عبر البريد الذي تشهده مختلف مناطق البلاد، بحجة أنه سيشمل على عمليات تزوير.
ما هو التصويت عبر البريد؟
تشمل عبارة التصويت عبر البريد (voting by mail)، مجموعة من السياسات تهدف كلها إلى توفير مرونة أكبر للناخبين الذي يرغبون أو يحتاجون إلى الإدلاء بأصواتهم في مكان غير مركز الاقتراع المحدد لهم.
وتعود الممارسة إلى الحرب الأهلية عندما سمح للجنود بالتصويت من أرض المعارك، وفق مختبر بيانات الانتخابات التابع لمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا.
وبدأت الولايات في توسع قوانين التصويت الغيابي (absentee voting) في أواخر القرن 19 لتلبية حاجة الناخبين البعيدين عن مناطقهم أو ممن يعانون من المرض في يوم الانتخابات.
وفي الوقت الراهن، تسمح جميع الولايات لجزء على الأقل من مواطنيها الذين يحق لهم التصويت بالاقتراع عبر البريد، وفق الإذاعة الوطنية العامة.
وتسمح بعض الولايات لجميع الناخبين المسجلين بأن يحصلوا على بطاقة اقتراع بريدي (mail ballot) أو ما تسمى أيضاً بطاقة اقتراع غيابي (absentee ballot)، فيما تشترط ولايات وجود سبب أو عذر يمنع من التصويت المباشر.
وتختلف السياسات المتعلقة بالتصويت عبر البريد من ولاية لأخرى، كما تختلف الشروط المطلوبة لاحتساب أصوات من يقترعون عبر البريد. وتشترط بعض الولايات توقيع الناخب، فيما تطالب أخرى بتوقيع شهود أو التوثيق العدلي للظرف الذي يحتوي على بطاقة الاقتراع.
كم من ولاية تسمح لمواطنيها بالتصويت عبر البريد في زمن الجائحة؟
توفر 46 من ولايات البلاد الـ50 الآن شكلاً من أشكال التصويت عبر البريد لناخبيها، وفق تقرير حديث لمعهد أوبن سورس إليكشن تكنولوجي.
وكان توسيع هذا التصويت ثمرة جهد من الحزبين إذ إن 24 من الولايات المعنية لديها حكام ديمقراطيون بينما يقود الولايات الـ22 الأخرى حكام جمهوريون.
لكن التصدي المحدود لتوسيع التصويت البريدي، كان مصدره بشكل حصري الجمهوريين، والولايات الأربع التي لم تحذ حذو نظيراتها الـ46، ويقودها حكام جمهوريون، وفق تقرير المعهد.
تكساس على سبيل المثال إحدى الولايات التي لا تدعم توسيع التصويت البريدي كرد على جائحة كورونا، ويخوض الجمهوريون فيها معارك قضائية للحفاظ على الوضع كذلك.
وقال المدعي العام في تكساس كين باكستون، إن الخوف من الإصابة بكوفيد لا يرقى إلى مرض أو حالة جسدية كما يشترطها قانون الولاية . وقال أيضاً إن مكتبه سيقاضي الأشخاص بتهمة تزوير الانتخابات إذا استخدموا بطاقة اقتراع بريدي بطريقة غير مناسبة .
ويتوقع خبراء أن يتم الإدلاء بـ70 في المئة من الأصوات في انتخابات نوفمبر العامة عبر البريد.
بصفة عامة، وحتى قبل أن تدفع جائحة كورونا مسؤولي الانتخابات إلى البحث عن سبل تسمح للناخبين بالتصويت من دون تعرضهم لخطر الإصابة بكورونا، يشهد هذا النوع من التصويت تزايداً في الولايات المتحدة.
وصوت حوالي ربع الناخبين عبر البريد في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في نوفمبر 2018، وهي نسبة تزيد بأكثر من الضعف عن تلك المسجلة قبل 20 عاماً.
ويعود جزء كبير من الزيادة، إلى انتقال خمس ولايات هي كولورادو وهاواي وأوريغن وواشنطن ويوتا إلى اعتماد التصويت عبر البريد بشكل كامل خلال الأعوام الأخيرة.
وعلي صعيد البلاد، تعتبر المواقف إزاء التصويت عبر البريد إيجابية، إذ كشف استطلاع أجراه معد بيو للأبحاث أن أكثر من 70 في المئة من الأميركيين يرون أن على أي أميركي يرغب في التصويت عبر البريد أن يكون قادراً على ذلك.
ويشمل مؤيدو ذلك الموقف 49 في المئة من الجمهوريين، ويرتفع تأييد هؤلاء إلى حوالي 70 في المئة في الولايات التي تصوت فيها نسبة كبيرة من المواطنين عبر البريد.
ويشير هذا الأمر على ما يبدو، إلى أن الناخبين كلما أصبحوا أكثر إلماماً بكيفية عمل التصويت البريدي، كلما زاد على الأرجح تأييدهم له.
أما الأصوات المعارضة للتصويت عبر البريد في صفوف الجمهوريين، فتتركز في ولايات لا توفر أصلا للناخبين وصولا واسعاً إلى هذا النوع من الاقتراع.
الرئيس الأميركي ترامب أكد في عدة مناسبات أنه ورغم تصويته عبر البريد عدة مرات، إلا أنه لا يؤيد توسيعاً كبيراً للممارسة.
وتحدث في تجريدات عن الموضوع، وقال إن هذا النوع من الاقتراع ينطوي حتماً على تزوير.
ويرغب ترامب في أن يتم إلزام الناخبين الراغبين بالتصويت عبر البريد، بتقديم سبب لذلك وألا تصبح العملية مزورة إلى حد كبير .
ويستدل هو وموظفوه بحوادث معزولة في هذا الإطار، لكنهم لم يقدموا البيانات اللازمة لدعم ذلك، وفق الإذاعة الوطنية العامة التي أشارت إلى أن خبراء الانتخابات يقولون إن تلك الادعاءات غير صحيحة.
وقال ترامب أيضاً، إن توسيع التصويت عبر البريد، من شأنه أن يكون سيئاً من الناحية السياسية بالنسبة للحزب الجمهوري، على الرغم من أن الأبحاث لا توافق هذا الرأي أيضاً.
ولم تجد دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد أي أثر حزبي على تعميم التصويت عبر البريد.
وفي الكونغرس، يركز كثير من المشرعين الجمهوريين على كيفية إرسال بطاقات الاقتراع البريدية.
أما الديمقراطيون، فيرون بشكل عام أن الممارسة تساعد السكان المستضعفين مثل تكليف شخص واحد بإرسال بطاقات الاقتراع لجميع المقيمين في دار مسنين أو مجمع سكني مثلاً.
لكن ما يسميه الديمقراطيون بـ جمع بطاقات اقتراع المجتمع، يعتبره الجمهوريون حصاد بطاقات الاقتراع معتبرين أنه يفتح المجال للتلاعب والإكراه على التصويت.ورفع الديمقراطيون دعاوى قضائية في ولايات بينهما بنسلفانيا ونورث كارولاينا المهمتين في هذه الانتخابات، من أجل السماح لطرف ثالث بجمع بطاقات الاقتراع.
وفي حين يقول خبراء الانتخابات إن التزوير في التصويت عبر البريد أكثر شيوعا بقليل عنه في التصويت الشخصي، إلا أن النسبة منخفضة لدرجة لا تجعل لها أي دلالة إحصائية.
وفي افتتاحية على موقع ذا هيل، كتبت مسؤولة الانتخابات السابقة في كولورادو والرئيسة التنفيذية لـ المعهد الوطني للتصويت في المنزل إيمي ماكرينولدز، ومدير مختبر بيانات الانتخابات التابع لمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا تشارلز ستيوارت، أنه خلال الـ20 سنة الماضية تم الإدلاء بأكثر من 250 مليون بطاقة اقتراع في البلاد عبر البريد، بينما سجلت 143 إدانة جنائية في قضايا تزوير انتخابات مرتبطة بالتصويت عبر البريد.
ويبلغ متوسط ذلك حوالي حالة واحدة في كل ولاية كل ست أو سبع سنوات، أو معدل تزوير نسبته 0.00006 في المئة.
وكتبا أن توسيع التصويت عبر البريد سيشكل تحدياً بالنسبة لغالبية الولايات خلال عام 2020 ، وأضافا القول: لكننا نكرر: عدم وجود أي دليل على أن الاقتراع عبر البريد يؤدي إلى تفشي التزوير، أو أن مسؤولي الانتخابات يفتقرون إلى الخبرة في حماية العملية من الانتهاكات .
وكان وزير العدل ويليام بار قد ألمح خلال مقابلة مع نيويورك تايمز ماغزين، إلى أن الدول الأجنبية قادرة على إنتاج بطاقات اقتراع مزورة بسهولة، ووضع أسماء عليها ثم إرسالها ، وقال إن ذلك يشكل أحد القضايا التي تثير قلقه بشدة.
لكن مسؤولي انتخابات وخبراء في عدة ولايات دحضوا ذلك على الفور، وأكدوا أنه سيكون مستحيلا تقريبا على حكومات أجنبية تحقيق ما يفترضه بار.
وتستخدم الولايات مجموعة متنوعة من الضمانات لتأكيد صحة بطاقات الاقتراع عبر البريد.
وعلي سبيل المثال، تحمل مغلفات الاقتراع في حوالي نصف ولايات البلاد، رمزا خاصا بكل ناخب يمكن تتبعه. وتشترط حوالي 15 ولاية، أن يتطابق توقيع الناخب على بطاقة الاقتراع مع توقيعه المحفوظ لدى سلطات الانتخابات. ويرفض احتساب أي بطاقة لا يتم إرسالها في المغلفات المخصصة لها والتي تختلف من ولاية لأخرى من حيث الحجم والشكل.