بادرة أمل جديدة تمنح المنشآت الصناعية مزيداً من التفاؤل في دورة عملهم وزيادة الإنتاج من خلال توفير كميات كبيرة من الغاز، والتي تساهم في تخفيض أسعاره وزيادة تنافسية المنتجات المصرية، ويأتي بريق الأمل من التكتل الجديد في منتدى شرق المتوسط للغاز وتحويله إلى منظمة دولية قادرة على لعب دور حيوي في أسواق الطاقة العالمية، والذي سيوازى الدور المحوري الذي تلعبه منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في أسواق البترول العالمية.
والتكتل الجديد الذي اعتبرت مصر عضواً فيه سيكون لديه القدرة على تغيير قواعد اللعبة وإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية في توزيع الطاقة، ويعكس أيضاً مستقبل التنمية الاقتصادية لدول المنطقة في ظل الزيادة السكانية الرهيبة والتوسع العمراني والتوجيه نحو التصنيع لتوفير فرص العمل، ويضم التكتل أيضاً الأردن وإسرائيل وإيطاليا واليونان وقبرص والسلطة الفلسطينية.
وبدون هذا التكتل فإن قدرة كل دولة منفردة على استغلال الثروات الطبيعية ستكون محدودة للغاية، ويكمن دور الكيان الجديد في تجنب ازدواجية منشآت الاستخراج والتسبيل والنقل وخطوط الأنابيب، وبالتالي تقليص النفقات الاستثمارية لاستخراج الغاز وبعبارة أدق إنتاجه بأسعار تنافسية تضمن استمرار الطلب عليه لعقود طويلة.
ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن الطلب على الغاز الطبيعي سيفوق المعروض منه بحلول عام 2025، وتستحوذ أوروبا وأمريكا الشمالية على نسبة 40% من الزيادة، فيما تستحوذ الصين على نسبة 20%، وتعتبر أهمية هذا الكيان الجديد لا تنبع فقط من قدرته على توفير إمدادات طاقة بأسعار تنافسية فقط، وإنما أيضاً من ولادته في لحظة يقف فيها العالم على أعتاب الاقتصاد اللاكربونى الذي يمثل طوق النجاة من كارثة التغييرات المناخية التي تهدد كوكب الأرض، وهذا يعنى ببساطة أن العالم يتجه وبقوة إلى مصادر الطاقة النظيفة.
وبتفسير أوراق القوة التي يملكها التكتل الجديد لا بد من الإشارة إلى أن حوض غاز شرق المتوسط هو واحد من أكبر أحواض الغاز الطبيعي في العالم، وبحسب دراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 2010 فإن احتياطيات الغاز في حوض شرق المتوسط تقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهو ما يكفى تأمين احتياجات أوروبا من الغاز مدة 30 عاماً كاملة أو تزويد العلم أجمع باحتياجاته من الغاز لمدة عام كامل.
كما أن التكتل الجديد لا يصب في مصلحة الدول المنتجة فقط، وإنما يصب أيضاً في مصلحة الدول المستهلكة فهو من ناحية يكسر احتكار القلة في أسواق الغاز الذي تتزعمه كل من قطر وروسيا، وبالتالي يدفع لخفض أسعار الغاز على المدى الطويل ويضمن استقرار الإمدادات للدول المستهلكة، وتحريرها من قبضة الضغوط السياسية المصاحبة للإفراط في الاعتماد على الطاقة من مصادر خارجية.
ويكتسب الكيان الجديد أهمية مضاعفة لكونه مفتوحاً أمام انضمام مزيد من الدول الأعضاء، ولعل هذا ما حدث بالفعل حيث طلبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الانضمام إلى عضوية التكتل الجديد، وهو ما يشير إلى الأهمية الدولية المعلقة على الكيان الجديد ليس فقط في تحقيق الاستقرار في أسعار الطاقة وإنما أيضاً في الابتعاد بالمنطقة عن منطق الصراع واستبداله بمنطق التعاون الذي يحقق مصلحة الجميع.
ويضاف إلى ما سبق أن التكتل الجديد يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، حيث أن ثلاثة من الدول الأعضاء في التكتل، وهي إيطاليا واليونان وقبرص أعضاء في الاتحاد الأوروبي وقادرة على توفير الدعم والمساندة له في وجه العقبات والعراقيل التي يمكن أن تضعها كل من قطر وتركيا وروسيا في طريقه.
وبالنظر إلى مجمل هذه التطورات فإن الكيان الجديد يصب في مصلحة السياسات الإماراتية التي تقوم على نبذ الصراعات والتعاون الإقليمي لتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وضمان استدامة التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة ومنع استغلالها كسلاح في إدارة العلاقات الدولية.