«عالم ما بعد كورونا لن يكون مثل ما قبله»، هذه فرضية باتت ترقى إلى مرتبة اليقين، أدركتها دولة الإمارات منذ اللحظات الأولى لانتشار وباء «كوفيد 19»، وصرح بها بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأصبحت مثار جدل ونقاشات كل مراكز الفكر والبحوث في العالم التي ينصب تركيزها اليوم على محاولة تحديد ملامح هذا العالم الجديد، وكيفية الاستعداد له والتعامل معه.ولأن دولة الإمارات من الدول النابضة بالحياة؛ المشغولة بالمستقبل واستشرافه وصناعته والاستعداد له، والحريصة على تحقيق سبق التقدم وتبوؤ المراكز الأولى في كل مؤشرات التنمية والتقدم والرخاء، وفق رؤى طموحة لقيادتها الرشيدة واستراتيجيات مبنية على أسس علمية راسخة وسليمة، فقد كان من الطبيعي أن تتابع عن كثب تطورات هذه الأزمة العالمية التي اجتاحت العالم وغيرت الكثير من المبادئ والأسس الحاكمة له على المستويات كافة، وأن ترسم لنفسها مسارها المتميز في إدارة هذه الأزمة، مقدمة للعالم نموذجاً يحتذى به في كيفية إدارة الأزمات والتعامل مع تحدياتها.
ولأن الإمارات دولة مستقبل، ولديها قيادة رشيدة لا تشغلها التحديات الراهنة مهما عظمت عن متابعة مسيرة التنمية الشاملة وتحقيق رؤاها الطموحة للمستقبل، فقد جاءت التغييرات التي أجرتها في هيكل الحكومة مجسّدة لهذه الحقائق، ومعبّرة عن الإدراك العميق لقيادتنا الرشيدة للتغييرات العالمية المستقبلية في مرحلة ما بعد «كورونا». فهذه التغييرات الحكومية جاءت مركزة بشكل كبير على تعزيز الاهتمام الوطني بقضايا الاقتصاد المعرفي والتكنولوجيا المتقدمة التي أثبت وباء «كوفيد 19» أنها القطاعات القائدة للاقتصاد العالمي، وأنها الأكثر قدرة على التعامل مع الظروف التي خلفها الوباء، حيث تم استحداث منصب وزير دولة للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقات العمل عن بعد، وإنشاء وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وتعيين رئيس للحكومة الرقمية بدولة الإمارات، التي اعتبرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «خيار استراتيجي لا غنى عنه.. وأمن اقتصادي لاستمرارية الأعمال في أية ظروف»، كما تم تعيين رئيس للأمن السيبراني في حكومة الإمارات في ظل التحديات التي يفرضها التوسع في الاقتصاد الرقمي، وما يرتبط به من تهديدات للأمن السيبراني. وغير ذلك من تغييرات تؤكد أن الإمارات ماضية وبسرعة أكبر في طريق الاقتصاد المعرفي والرقمي الذي سيسود العالم في مرحلة ما بعد «كورونا».
الملمح الثاني لهذه التغييرات الحكومية هو التركيز على ملف الأمن الغذائي، بعد أن كشف هذا الوباء عن خطورة تعطّل سلاسل التوريد من الخارج في مسألة حيوية كهذه، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن ملف الأمن الغذائي سيبقى أولوية عبر وزيرين، هما: وزيرة الدولة للأمن الغذائي والمائي لمتابعة المخزون الغذائي الوطني والاستثمار في تكنولوجيا الغذاء والعلاقات الدولية في هذا المجال، ووزير البيئة الذي سيركز على دعم المزارعين ورعاية وتطوير ثرواتنا السمكية والحيوانية. أما الملمح الثالث المهم فهو تقليص حجم الحكومة لجعلها أكثر مرونة وقدرة على تأدية دورها المستقبلي وتقديم الخدمات بطرق مبتكرة تحقق سعادة ورفاهية المواطنين، حيث شهد التغيير الحكومي إلغاء 50% من مراكز الخدمة الحكومية وتحويلها لمنصات رقمية خلال عامين، ودمج حوالي 50% من الهيئات الاتحادية مع بعضها أو ضمن وزارات لتحقيق الهدف الذي رسمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من هذه التغييرات الحكومية، وهو الوصول إلى «حكومة مرنة أسرع في اتخاذ القرار، وأكثر مواكبة للمتغيرات، وأفضل في اقتناص الفرص، وفي التعامل مع متطلبات المرحلة الجديدة».
ولعل ما يعزز الثقة والتفاؤل من هذه التغييرات الحكومية الجديدة هو أنها جاءت بعد دراسات متأنية، وبعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة التي عقدتها حكومة الإمارات بمشاركة وزراء ووكلاء ومجالس تنفيذية وخبراء عالميين، لصياغة استراتيجية دولة الإمارات لما بعد «كوفيد 19». وهذا هو ديدن القيادة الإماراتية الرشيدة التي تبني قراراتها الاستراتيجية على أسس علمية وقراءات متأنية للواقع والمستقبل، وهو ما ضمن للإمارات تفوّقها وتميزها حتى الآن، وهو أيضاً ما سيضمن للإمارات عبورها الآمن للمستقبل المشرق الذي تطمح إليه.