شهدت المملكة العربية السعودية فجر اليوم الخميس لحظة استبدال الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي اليوم الخميس، كسوة الكعبة المشرفة كما جرت العادة السنوية.
وقام الفريق المحدد من الإدارة العامة لمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة وفقاً لما ورد بوكالة الأنباء الإماراتية “وام” بتفكيك الكسوة القديمة وتركيب الجديدة ومن ثم تثبيتها في أركان الكعبة وسطحه، وتعد كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام .. فقد ارتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها وبرع فيها أمهر العاملين في هذا المجال في العالم الإسلامي و تسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم وهي كساء من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة صبيحة يوم عرفة.
وتأتي الحكمة من كسوة الكعبة من كونها شعيرة إسلامية وهي اتباع لما قام به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام من بعده فقد ورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية و كانت نفقاتها من بيت مال المسلمين، وجاء الخلفاء الراشدون من بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، فقد قام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بكسوتها بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بكسوتين إحداهما فوق الأخرى فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام .
ويعود تاريخ كسوة الكعبة لما ذكر عن /عدنان بن إد/ للجد الأعلى للرسول و هو واحد ممن كسوها و قيل أن /تبع الحميري/ ملك اليمن هو أول من كساها في الجاهلية بعد أن زار مكة و هو أول من صنع للكعبة بابا ومفتاحا، وبعد /تبع الحميري/ كساها الكثيرون في الجاهلية حتى آلت الأمور إلى /قصي بن كلاب/ الجد الرابع للرسول و الذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب قدرته حتى ظهر أبو ربيعة عبد الله بن عمرو المخزومي، وكان تاجرا ذا مال كثير وثراء واسع، فأشار على قريش أن اكسوا الكعبة سنة و أنا أكسوها سنة فوافقت قريش على ذلك وظل كذلك حتى مات وتوارثت قريش هذا العمل حتى فتح مكة.
وفي عهد الدول الإسلامية وظهور الكتابة على الكسوة وفي عصر الدولة الأموية كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في ” يوم عاشوراء” والأخرى في “آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر” ثم اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماما بالغا، نظرا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز وتخصص في ذلك أهل ” تنيس وتونه وشطا ” من المدن المصرية، وفي عهد الخليفة المأمون كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة وظهرت الكتابة على الكسوة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها.
وشرعت المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود أبواب الصناعة لكسوة الكعبة عبر دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام 1346 من الهجرة وهذه تعد أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة، وتستبدل كسوة الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام و تواصل الاهتمام من أبناء المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله- بالعناية في صناعة الكسوة وتطويرها حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة 1397 من الهجرة إلى مبناه الجديد بأم الجود و جهز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها وتستبدل كسوة الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام .
وتمر مراحل كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية تبدأ بمرحلة الصباغة وهي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية والمنسوخة , ثم قسم المختبر الذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية و القطنية من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية و مقاومتها لعوامل التعرية إضافة إلى عمل بعض الأبحاث و التجارب اللازمة ثم يأتي بعدها مرحلة الطباعة التي يتكون منها قسم الحزام التطريز وقسم خياطة الكسوة ومن ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وعقب انتهاء جميع مراحل الإنتاج والتصنيع وفي منتصف شهر ذي القعدة تقريبا يقام حفل سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتسلم الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام الذي يسلم الكسوة للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي، وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها ستارة باب الكعبة المشرفة وهي أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة وبعد الإنتهاء منها يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض وبارتفاع نحو ثلاثة أمتار من شاذروان /القاعدة الرخامية للكعبة/ والمعروفة بعملية /إحرام الكعبة/ ويرفع ثوب الكعبة.
وتستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام وذلك أثناء فريضة الحج بعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات، ويتولي سدنة البيت الحرام تغيير كسوة الكعبة المشرفة القديمة و استبدالها بالثوب الجديد، استعدادا لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي الذي يوافق عيد الأضحى.