السعودية – ابتهال العمودي
للوطن مفهوم أعم، أشمل، وأكثر إتساعاً من الحدود المرسومة بالخريطة، فهو مجموعة مواقف،صور،كلمات ترن بالأذان، وجوه لا تغيب عن البال،قضية ندفع حيواتنا ثمناً للدفاع عنها، إذن فنحن قادرين على حمله معنا أينما إتجهنا ..في شنطة مثلاً.
وبما أن السيناريو هو نص كُتب ليجُسد ولا قيمة له على الورق، فالمشاهد حل محل القارئ وإستطاع منذ مشهد تبديل الحقائب بالمطار أن يعي رمزية هذه القطعة والتي ليست أكثر من جماد “الشنطة”، وكيف أثرت بأبعادها الفلسفيه والوطنية على خلق حياة ثانية لشخصين هم بأمس الحاجة إلى خلاص وبصيص أمل، ومن هنا أصبح المشاهد قادر على إيجاد معانٍ وخلق أحداث طابقت ما سعى إليه الكاتب علاء حمزة بمسلسل حياة ثانية.
من فكرة فقدان الوطن بدأ هذا العمل الغوص في حيوات الشخوص بطرق غير مألوفة جذبت المشاهد الخليجي الواعي جداً والممتلك لعين ناقدة بسبب كثرة الكوارث المقدمة له بقوالب درامية .
سلطان المواطن السعودي البسيط والذي بلحظة دفاع عن أخته تسبب بمقتل زوجها وكسر ظهرها بالمعنى المجازي،أُبعد عن بلاده أعزلاً لا يحمل معه سوى لساناً عربياً و وطناً بحقيبة، وبفقدانها شعر بإحساس اللاجئ الواقف على عتبة حدود وهمية ،خائف، منكسر، لاحول ولا قوة، فما قيمة الإنسان بلا وطن، مرجع، أو هوية.
بالمقابل مصائبُ قومٌ عند قومٌ فوائدُ فمشاعل لم تعني لها الحقيبة شيء، فهي إكتسبت ما هو أهم وأثرى (مذكرات سلطان)، والتي كانت بمثابة الخلاص من الوحدة، والعربة التي ستعيدها إلى النقطة التي فقدت بها كلمة (أمي) وكسى الجليد ماتبقى من طرقات بينها وبين بناتها.
أحداث كثيرة شكلتها خطوط إما جديدة كالقصاص أو معالجة بطرق سليمة كالإدمان ،الإنتحار،العقوق وغيرها، زادت من ثراء النص وساهمت بجذب الأنظار، فـما عُرض حتى الآن كان كفيل بكتابة سيناريو من ثلاثين حلقة، إلى جانب الدقة والإهتمام بتفاصيل بسيطة لم تمر مرور الكرام لدى المشاهد بدون تحليلها ،فبدءاً من العباءة التي إرتدتها مشاعل بحكم عودتها من معرض الكتاب بالسعودية ،إلى مشهد رمي سلطان للبطاقة المرفقة بالحقائب على الأرض _يوجد مطالبات شعبية بمنع الخليجين من دخول الشواطئ في فرنسا بسبب النظافة_ تظهر الخبرة الإخراجية لمحمد القفاص بالرغم من وجود إعتراضات على درجة الإضاءة والظلام إلا أن تصنيف العمل كدراما إجتماعية مصحوبة بجوانب تراجيدية عميقة يحتاج لهذا النوع من الظلام الداعم للغموض.
المُلفت أيضا بهذا العمل هو بعض الجمل بالحوارات المكتوبة والتي شعر المشاهد بأن دقتها تطلبت من علاء حمزة إستخدام القلم والمسطرة، فحين عرّف سلطان عن نفسة قائلاً:” أنا واحد ضايعة شنطته” كان المعنى يصب مباشرة بفكرة الوطن المحمول وإحساس اللاجئ، ومثلها حين وصفت مشاعل دخول سلطان إلى حياتها:” إنت من دخلت حياتي دخل معاك الأمن والأمان ” فهي الأرملة المكابرة والقوية ظاهراً ،المكسورة، المجروحة، المقهورة من الداخل.
حياة ثانية لا نستطيع بأن نصفه بـ (ولا غلطة) ولكن يظل عمل جدير بالإحترام والمتابعة، فإلى جانب الفكرة العميقة و الرؤية الإخراجية أشاد المتابعون بأداء هدى حسين والتي شاء من شاء وأبى من أبى رمز من رموز الخليج وثالث ضلع بمثلث عمالقة الكويت والمكون من حياة الفهد، وسعاد عبدالله، ولا ننكر تركي اليوسف الذي تفوق على نفسه وأعاد المشاهد السعودي خاصةً إلى زمن “دمعة عمر”، إلى جانب هبة الدري و عبدالله الطراروة فهم يؤكدون بالسنوات الأخيرة مدى كفائتهم على التلوين والعطاء ،و قد يكون دور ناصر من وجهة نظر شخصية أفضل ماقدم أوس الشطي بالتلفزيون كونه ممثل مسرحي ولا يزال يحاول التأقلم وبناء علاقة مودة مع الكاميرا.