مع تراجع معدلات التضخم في مصر خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن أسعار السلع ما زالت عند مستويات قياسية وسط توقعات باستمرار ارتفاعها خلال الفترة المقبلة مع استمرار خسائر الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي.
وتأتي ارتفاعات الأسعار أحد أبرز خمسة أسباب لاستمرار المعركة بين المصريين والتضخم، التي ترتبط بشكل مباشر بمكاسب الدولار الأميركي الذي يجري تداوله في السوق الموازية عند مستويات تتراوح ما بين 49 و50 جنيهاً، وهو ما تسبب في أن تقفز أسعار جميع السلع بنسب تفوق 100 في المئة منذ بداية العام الحالي، ويضاف إلى ذلك ما تشهده سوق السجائر التي سجلت ارتفاعات غير منطقية خلال الأيام الماضية، مما يقود إلى زيادة إجمال إنفاق الأسر المصرية ومن ثم تغذية معدلات التضخم.
بخلاف ذلك كانت الحكومة أعلنت قبل أيام رفع أسعار المحروقات، وفي الغالب ومع كل زيادة في أسعار الوقود، تشهد السوق موجة من ارتفاعات الأسعار، مما يجعلها أحد مصادر تغذية معدلات التضخم وزيادات جديدة في الأسعار.
تتحرك الحكومة المصرية لسد فجوة التمويل الضخمة التي قدرتها بعض المؤسسات الدولية بأكثر من 10 مليارات دولار، ومع ذلك فإن الجنيه المصري أمام ضغوط جديدة بطلب متزايد على الدولار، مما يتسبب في لجوء المستوردين إلى زيادات متتالية في الأسعار.
وأعلن البنك المركزي المصري أن المعدل السنوي للتضخم الأساس سجل 38.1 في المئة خلال أكتوبر 2023 من 39.7 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) 2023، وذكر أن الرقم القياسي الأساس لأسعار المستهلكين، وفقاً لمؤشراته سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.8 في المئة خلال الشهر الماضي، مقابل معدل شهري بلغ ثلاثة في المئة خلال الفترة نفسها من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.1 في المئة خلال سبتمبر 2023.
كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أعلن أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 190.1 نقطة لشهر أكتوبر الماضي مسجلاً تراجعاً في معدل التضخم السنوي، إذ وصل إلى 38.5 في المئة مقابل 40.3 في المئة لشهر سبتمبر 2023.
وأرجع الجهاز أسباب التراجع إلى خفض أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.6 في المئة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة الخضراوات بنسبة 2.5 في المئة، ومجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 0.1 في المئة، واستقرت أسعار مجموعة خدمات البريد وأسعار مجموعة خدمات الهاتف وأسعار مجموعة التأمين، على رغم تغير أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 5.6 في المئة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 0.1 في المئة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 3.6 في المئة، ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 0.5 في المئة.
وذكر “جهاز الإحصاء” أن معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية تراجع ليسجل 1.2 في المئة أكتوبر الماضي، مقابل 2.0 في المئة في سبتمبر السابق عليه، وجاء هذا التراجع نتيجة تسجيل قسم الطعام والمشروبات تغيراً قدره 1.7 في المئة وخفض في أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.6 في المئة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة الخضراوات بنسبة 2.5 في المئة.
وقبل أيام، ومع هدوء معدل التضخم أبقت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري على أسعار الفائدة من دون تغيير، وقالت إنها تركز على التضخم في المستقبل وليس في الوقت الحالي، وأن النمو الاقتصادي مستقر في ما يبدو في الربع الثالث من يوليو (تموز) إلى سبتمبر 2023.
وقررت اللجنة تثبيت سعر الفائدة الرئيسة عند مستوى 19.25 في المئة للإيداع و20.25 في المئة للإقراض، وهو الأعلى تاريخياً، لكن في اجتماع أغسطس (آب) الماضي، كانت اللجنة قررت رفع أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة، ليصل إجمالي الزيادة في أسعار الفائدة إلى 11 في المئة منذ مارس (آذار) 2022، عندما تحرك البنك المركزي وأعلن بداية خفض الجنيه مقابل الدولار الأميركي.
ويعتقد كثير من المحللين أنه على رغم ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 38 في المئة في سبتمبر الماضي، سيترك البنك المركزي أسعار الفائدة وسعر صرف العملة مقابل الدولار من دون تغيير حتى بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وفي تصريحات حديثة، قال رئيس صندوق مصر السيادي أيمن سليمان، إن التضخم في مصر بلغ على ما يبدو ذروته. واعتبر أن ضعف العملة المحلية، التي جرى تعويمها، أمر جيد للسيطرة على كلف الإنتاج.
وسمحت مصر بخفض قيمة عملتها المحلية ثلاث مرات في عام واحد، ليبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار حالياً نحو 31 جنيهاً، في حين يتداول الدولار في السوق الموازية قرب مستوى 50 جنيهاً للدولار. وسبق أن قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إن مصر ستستنزف احتياطاتها من النقد الأجنبي إذا لم تخفض قيمة الجنيه مرة أخرى.
وتعاني مصر التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر صرف الدولار وصعوبة توفيره، مع تأخر مراجعتين لبرنامج من صندوق النقد الدولي للحصول على الشريحة الثانية من قرض، في وقت تشير فيه مؤسسات تصنيف ائتماني إلى ارتفاع الأخطار التمويلية للدولة.
وخسرت العملة المحلية نحو 50 في المئة من قيمتها أمام الدولار منذ مارس 2022، في أعقاب الإعلان عن هرب أموال ساخنة بقيمة تتجاوز 20 مليار دولار وفق التصريحات الرسمية للحكومة المصرية.