يطرح الكاتب التونسي شفيق الجندوبي في روايته الجديدة “الكميونة” معضلة المرأة التونسية العاملة في القطاع الزراعي ومعاناتها اليومية مع النقل وسوء الظروف المهنية، انطلاقا من وقائع مستوحاة مما يجري في الأرياف التونسية.
ولفظ “الكميونة” يعني الشاحنة الخفيفة (مستوحاة من كلمة camion الفرنسية) التي تنقل النساء العاملات في المجال الزراعي، غالبا في ظروف صعبة وغير مطابقة للمواصفات بل حتى لا تحترم الكرامة البشرية، وكثيرا ما يتسبب ذلك في حوادث سير راح ضحيتها عشرات النساء من هذه الفئة المهمّشة.
وصدرت رواية “الكميونة” عن دار “وشمة” للنشر، وتقع في 180 صفحة من الحجم المتوسط، بينما تولى رسم صورة الغلاف الرسام الجزائري جميل وردي.
ويقول الجندوبي إنّه يستحضر في رواية “الكميونة” معاناة المرأة العاملة في القطاع الزراعي، وهي رواية موجهة للكهول، خلافا للأعمال الأدبية السابقة الموجهة للأطفال، مشيرا أنّ هذه الرواية اعتبرها “دينًا” عليه لا بد أن يقضيه، للمرأة المنسية التي تُطعم الجميع لكنها مغبونة وكثيرا ما يستثمر في مأساتها السياسيون أو أصحاب القرار وغيرهم.
وأوضح أنّه لا بدّ أن يفهم الشعب التونسي أنّ كل ما يوضع على موائد الطعام وما يتم تداوله في مصانع التحويل الغذائية هو نتاج جهودهنّ وشجاعتهم؛ لأنّهنّ يقبلن على أعمال شاقة، وكان لا بدّ أن أسدي هذا الديْن لأعترف لهنّ بهذه البطولة والعزيمة والصبر ورباطة الجأش.
ولا تخلو الرواية من وقائع وشهادات حية، وهي قصة ممتعة فيها الحب والشرف والكرامة وفيها السعادة وفيها المعاناة، وهي قصة حياة لا تهدف إلى كسب العواطف بقدر ما هي توثيق لملحمة هؤلاء النساء اللائي يعملن بشرف وصمت وبساطة، ويعود لهنّ الفضل في إطعام التونسيين.
وأمضى شفيق الجندوبي أربع سنوات في كتابة هذه الرواية التي تتفاعل شخصياتها وتتعقد العلاقات فيها وتتطور الأحداث، لكنها في النهاية لا تخرج عن قضية مركزية وهي قضية المرأة العاملة في القطاع الزراعي وظروفها الاجتماعية والمهنية.
ويضيف الجندوبي في تصريحات لصحيفة “الصباح” التونسية: “أردت من خلال هذا العمل الأدبي أن أعيد الاعتبار للمرأة العاملة بالقطاع الزراعي، في ظل غياب الدور المهم للمنظمات الحقوقية، وأرى أنه من الضروري حمايتهنّ من هول المخاطر التي تحيط بهنّ في كل لحظة”.
وشفيق الجندوبي هو معلّم ومتفقد للتربية، كتب القصة والرواية وخاصة للأطفال واليافعين، وفاز بجوائز منها جائزة عربية عن رواية “كيس الحلبة” التي تتحدث عن المواسم الزراعية بمنطقة الشمال الغربي التونسي، كما ألّف أول رواية عربية في الإيقاظ الفكري إلى جانب عناوين أخرى موجهة لتلاميذ المستوى الابتدائي، وديوان شعر للأطفال بعنوان “شفيف الغمام”.
ويهتم الجندوبي بالقضايا الاجتماعية ومعاناة الفئات الفقيرة والمهمشة، ولا سيما التلاميذ، بحكم تجربته التي تمتد على أربعة عقود في مجال التعليم، وقد أهدى ديوانه “شفيف الغمام” إلى التلميذة مها القضقاضي التي توفيت قبل سنوات وهي في طريقها إلى مدرستها حيث جرفتها السيول بعد أمطار غزيرة تساقطت بالمنطقة الريفية التي تقطن بها.