ضربت الأرض مساء الجمعة عاصفة شمسية شديدة هي الأولى من نوعها منذ العام 2003، وأنارت بأضوائها القطبية الخلابة سماء العديد من دول العالم، لكنها أثارت كذلك خشية من تأثيرها المحتمل على الشبكات الإلكترونية وأنظمة الاتصالات.
وأعلنت الوكالة الأمريكية لمراقبة المحيطات والغلاف الجوي (NOAA) أن العاصفة الجيومغناطيسية هي من المستوى الخامس على مقياس من 5 درجات، والذي يوصف بأنه شديد.
وقالت «نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) وشبكات الطاقة والمركبات الفضائية والملاحة عبر الأقمار الصناعية وسواها من التقنيات قد تتأثر».
وأشارت الوكالة إلى أن العاصفة ناجمة من وصول سلسلة انبعاثات كتلية إكليلية من الشمس إلى الأرض.
وأوضح جون دال من مركز التنبؤ بالمناخ الفضائي التابع للوكالة الأمريكية خلال مؤتمر صحفي الجمعة، أن ذلك عبارة عن انفجارات في الجسيمات النشطة والمجالات المغناطيسية من الشمس.
ويُتوقع استمرار العاصفة خلال عطلة نهاية الأسبوع مع وصول مزيد من تلك الانبعاثات وفق الوكالة.
وآخر حدث من هذا النوع بلغ المستوى الخامس كان في تشرين الأول/أكتوبر 2003 وأطلق عليه اسم «عواصف الهالوين» الشمسية حسب الوكالة.
وسجّلت في ذلك العام انقطاعات للتيار الكهربائي في السويد، بينما تضررت محوّلات كهربائية في جنوب إفريقيا، بحسب ما أكدت الوكالة الأمريكية.
وأوضح المصدر نفسه أن أول الانبعاثات الشديدة القوة أصابت الأرض قرابة الساعة 16,30 بتوقيت غرينيتش الجمعة.
وتقترب الشمس حالياً من ذروة نشاطها وفقاً لدورة تتكرر كل 11 عاماً. ومصدر هذه الانبعاثات الكتلية الإكليلية، التي تتجه سبعة منها على الأقل نحو الأرض، مصدرها بقعة شمسية قطرها يفوق حجم قطر الأرض بـ17 مرة.
وعلى عكس التوهجات الشمسية التي تنتقل بسرعة الضوء وتصل الأرض في غضون نحو ثماني دقائق، تنتقل الانبعاثات الكتلية الإكليلية بشكل أبطأ، ويناهز معدّل سرعتها 800 كلم في الثانية.
وإضافة الى تأثيرها المحتمل على الأنظمة الإلكترونية، تتسبّب هذه العواصف الشمسية الكبرى بأضواء قطبية لافتة، تبلغ أحياناً مناطق أبعد إلى الجنوب من تلك التي عادة ما تشهدها خلال الفترات المعتادة سنوياً.
وأوضح أستاذ فيزياء الفضاء في جامعة ريدينغ في إنجلترا ماثيو أوينز لوكالة فرانس برس، أن المدى الجغرافي لظهور الأضواء القطبية، سيعتمد على قوة العاصفة الشمسية في نهاية المطاف.
وقال مساء الجمعة «نصيحتي ستكون اخرجوا الليلة وانظروا إلى السماء، لأنه إذا رأيتم الأضواء القطبية، سيكون ذلك أمراً مذهلاً».
وأظهرت صور تمّ تداولها على منصات التواصل، أضواء قطبية في مناطق عدة من الولايات المتحدة وحتى في لندن.
وقال إيان مانسفيلد من هارتفورد الإنجليزية لوكالة فرانس برس «لقد أيقظنا الأطفال للتو لكي يشاهدوا الأضواء القطبية في الحديقة!».
وفي الولايات المتحدة، توقع مسؤولون في مجال الفضاء أن يتم رصد الأضواء القطبية في مناطق مثل شمال ولاية كاليفورنيا وولاية ألاباما.
ونصح برينت غوردون من الوكالة الأمريكية لمراقبة المحيطات والغلاف الجوي، السكان بالتقاط صور للسماء حتى في حال لم تكن الأضواء القطبية مرئية بالعين المجردة.
وأوضح «التقطوا صوراً بكاميرات الهواتف المحمولة الحديثة، وسيذهلكم ما ترونه في هذه الصور مقارنة مع ما رأيتموه بالعين المجردة».
من جهته، أكد شون دال أن مشغّلي الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات والشبكة الكهربائية في أمريكا الشمالية، تمّ إبلاغهم بالعاصفة بشكل مسبق لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ونصح السكان بالتزود ببطاريات أو حتى مولدات كهربائية، كما هو الحال مع أي عواصف مناخية أخرى.
بدوره، أكد الباحث في مركز التنبؤ بالمناخ الفضائي روب ستينبرغ أن مشغّلي التيار الكهربائي عملوا خلال العقد الماضي على حماية الشبكات بشكل أفضل، مشيراً إلى أن التأثير المحتمل للعاصفة الشمسية سيقتصر على خطوط التوتر العالي وليس المنازل الخاصة.
وأكد أن وكالته تقوم بالتنسيق مع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) التي تتولى ضمان سلامة الرواد في محطة الفضاء الدولية المعرّضين بشكل أكبر للانبعاثات والاشعاعات الشمسية.
كما أصدرت السلطات تحذيراً إشعاعياً من الدرجة الأولى على مقياس من 5 درجات، وهو مستوى لا يثير القلق حالياً.
إلى ذلك، أكدت وكالة الطيران المدني الأمريكي أنها لا تتوقع أي مضاعفات مهمة على الملاحة جراء العاصفة.
لكنها أشارت إلى أن العواصف الجيومغناطيسية قد تؤدي لاضطراب عمل أجهزة الملاحة والبث ذات التردد العالي، وأنها أوصت الخطوط الجوية والطيارين بـ«توقع» اضطرابات محتملة.
وتعود أقوى عاصفة شمسية مسجّلة في التاريخ إلى العام 1859 وفق ناسا، وعرفت بـ«حدث كارينغتون»، وتسببت حينها باضطرابات في خطوط التلغراف.