“67 في المائة من أساتذة هيئة التدريس بالتعليم العالي في المغرب استخدموا تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي، ‘شات جي بي تي’ أكثر تطبيقاته شعبية بين طلبة مغاربة”، كانت هذه “عصارة” ما خلصت إليه دراسة بحثية جديدة بناء على استبيان للآراء حول الذكاء الاصطناعي في التدريس بالجامعات والبحث العلمي في المغرب.
الدراسة التي نُشرت نتائجها ضمن مقال أكاديمي صادر في ثنايا مجلة عالمية محكّمة، بعنوان “تأثير الذكاء الاصطناعي على البحث والتعليم العالي في المغرب”، طالعته جريدة هسبريس الإلكترونية، شددت، من ضمن جوانب أخرى، على “التأثير التحويلي الذي يفرزه الذكاء الاصطناعي”، مستحضرة “فوائده وتحدياته وإمكانياته المستقبلية في الجامعات المغربية”، سواء من طرف الطلبة أو الأساتذة.
المقال الأكاديمي، الذي قَبِلَتْ نشره إحدى المجلات البحثية العالمية المتخصصة في قضايا “التعليم والتعلّم”، (“Journal of Education and Learning “EduLearn) ضمن المجلد الثامن عشر، عدد 4 (إصدار 2024)، أكد ضمن أبرز الخلاصات والنتائج أن “ChatGPT” (شات جي بي تي) يظل “التطبيق الأكثر شعبية” بين الطلبة المغاربة.
هذه الخلاصات، توصل إليها ثلاثة باحثين مغاربة من مؤسسات للتعليم العالي تابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وهم غزلان مُخلص وخالد الحياني وغزلان دياب، عبر “استبيان موجَّه إلى أساتذة الجامعات من جامعات مغربية مختلفة”، معلنين أنه “تم تصميم أداة المسح للحصول على ردود بشأن تجاربهم وتصوراتهم وملاحظاتهم في ما يتعلق بدمج الذكاء الاصطناعي في التدريس والبحث والعمليات الإدارية في قطاع التعليم العالي؛ كما بَحَث الاستطلاع رؤى حول التحديات والفرص الناشئة عن تبني الذكاء الاصطناعي”.
وأظهرت الخلاصات المتوصل إليها أن “38 في المائة فقط من الأساتذة المستطلعة آراؤهم كانوا على ‘دراية إلى حد ما’ بأدوات الذكاء الاصطناعي، بينما كان 29 بالمائة منهم على دراية متوسطة، و10 بالمائة منهم غير مُلِمّين أو واعين على الإطلاق” بهذا الموضوع.
ويسجل الباحثون الثلاثة، المنتمون إلى “قسم علوم الحاسوب والرياضيات”، التابع للمدرسة العليا للأساتذة- الدار البيضاء، والمدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني، أن “تفاوت مستويات الإلمام بهذه الأدوات لم يمنع العديد من الأساتذة مِن الإقرار باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التدريس والبحث”.
وهكذا أكدت نتائج البحث أن 67% ممّن غطّاهم الاستبيان البحثي حول الموضوع أكدوا استعمالهم أدوات قائمة على الذكاء الاصطناعي، مقابل 33 في المائة صرحوا بأنهم “لم يستخدموها أبدا”.
مقابل “إقرار واضح من قبل بعض الأساتذة بجامعات المغرب بما يتيحه الذكاء الاصطناعي من أدوات مفيدة وعمَلِيّة، لم يُخف آخرون مخاوفهم من تزايد استخدامها في ظل الحاجة إلى مزيد من التدريب وهاجس عدم التحكم في التكنولوجيا وتسارع دينامياتها”.
“تطبيقات الذكاء الاصطناعي” المستخدَمة بالمغرب شملت، حسب النتائج نفسها، “الترجمة والتدقيق اللغوي، وكذا الكشف عن الانتحال، والإنشاء أو تكييف المواد التعليمية”. بينما كشفت الدراسة عن “توظيف محتمل للذكاء الاصطناعي في المقررات الدراسية أيضا، في 53% من المؤسسات الجامعية، مقابل 35% لم تعتمِدْه بعد”.
في المقابل أبان الاستبيان الموجه للطلبة، الذين شاركوا بنسبة 44% من طلبة الدكتوراه ثم الإجازة بنسبة 40%، أن معظمَهم “كانوا على دراية بأدوات الذكاء الاصطناعي”، معتقدين أنها “تتيح إمكانية تحسين التعلمات”.
ومن النتائج اللافتة أن 40 بالمائة من الطلبة المستطلعة آراؤهم على “معرفة معتدلة” بتطبيقات “الـAI”، بينما 32 بالمائة منهم على “دراية إلى حد ما”. فيما تصدّر ChatGPT قائمة التطبيق الأكثر شيوعًا بين الطلبة، متبوعا بـ Mid Journey 6.22%، ثم Bard بـ 4.53%، قبل OpenAI بـ (2,50%).
وأقرّ الطلبة المغاربة باستخدام هذه التطبيقات في “استرجاع المعلومات والترجمة وتحسين الكتابة/الصياغة”، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الإحساس بـ”قلق الذكاء الاصطناعي الذي قد يؤدي إلى الغش أو الكسل…”.
“في العالم الأكاديمي أصبح الذكاء الاصطناعي واسع الانتشار، شاملاً جميع المستويات، من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، وفي جميع التخصصات”، يرصد منجزو الدراسة البحثية، لافتين إلى التأثير المتنامي للذكاء الاصطناعي في “علوم الصحة، وتدريس اللغات، وتعليم الرياضيات، والهندسة، وتدريس الترجمة، والتعلم المتنقل، وتعليم التمريض”.
وتابع المقال شارحا: “باستخدام المغرب بمثابة ‘دراسة حالة’ فإن أنظمة التعليم والبحوث التقليدية مازالت تعتريها أوجُه قصور تَحُدّ من التحقق الكامل للإمكانات الأكاديمية والعلمية للبلاد”، قبل أن يخلص إلى أنه “بدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحوث الجامعية يمكن أن يحفز التقدم الكبير من حيث الكفاءة وتخصيص التعلُّم، مع ضمان تطوير وجهات نظر بحثية جديدة”.
ولم يَنْفِ الباحثون المغاربة أن “الذكاء الاصطناعي أحدَثَ ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك البحث والتعليم العالي”، راصدين “فضل تطبيقاته المبتكرة والإبداعية التي غيَّرت أساليب التدريس التقليدية”.
واستهدفت المقالة، وفق تقديرهم، “استكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على هذه المجالات في الجامعات المغربية، مع التركيز على تأثيره التحويلي وفوائد أدواته وتحدياتها وآفاقها المستقبلية”.
وبانتهاجهم “تحليل الأدبيات الحالية ودراسات الحالة وآراء الخبراء” أوضح مؤلفو هذه المقالة الأكاديمية “كيفية تعزيز الذكاء الاصطناعي منهجيات البحث، وتمكين المُعلمين بالجامعات والطلاب، وتعزيز الابتكار في الأوساط الأكاديمية”.
كما ناقش الباحثون الثلاثة “الاعتبارات والمعايير الأخلاقية والهواجس المحتملة المرتبطة بالتكامل المتزايد الذي توفره تقنيات متسارعة من الذكاء الاصطناعي”، خاتمين بـ”الآفاق والفرص المستقبلية التي توفرها تقنيات الوافد الجديد للبحث والتعليم العالي في المغرب”.
جدير بالإشارة، حسب مُنجزي الدراسة، أنه “تم تحليل البيانات التي تم جمعها باستخدام البرامج الإحصائية لاستخلاص تصورات/رؤى كمّية من الدراسات الاستقصائية؛ فيما خضعت الردود والإجابات النوعية لتحليل ‘حسب الموضوع’ لتحديد الموضوعات والأنماط المشتركة في تعليقات مفتوحة للأساتذة الجامعيين والطلاب”.