يتأثر الطفل بكل ما يستقبله ويتلقاه من التلفزيون، وما يقرأه في القصص والمجلات، وبالحديث عن أدب وقصص الأطفال يدرك الكثير من الكتاب أهمية أن يكتب الكاتب ما يشد اهتمام الطفل، ويلفت انتباهه حتى لا ينصرف عن قراءة القصة، وتنعكس القصص والأفكار، التي يقرأها الطفل على سلوكياته، وتلعب دوراً كبيراً في تنمية قدراته وتعزيز مهاراته، وتزويده بالعلم والمعرفة.
دراسة أكاديمية
التقت الكاتبة الإماراتية منى الشامسي والمتخصصة في مجال أدب الطفل، ولديها عدة إصدارات وتقول: «بدأ اهتمامي بأدب الطفل خلال فترة دراستي الجامعية في الجامعة الأمريكية في الشارقة، وكنت في تلك الفترة متأثرة بمجال دراستي الأكاديمية التي فتحت لي المجال للاطلاع والتعمق أكثر في مجالات الفنون البصرية المختلفة، مثل الرسم والتصميم الجرافيكي وتصميم المطبوعات والتصوير الفوتوغرافي وغيرها من الفنون، التي قادتني بشكل غير مباشر نحو أدب الطفل، حيث إن ما استرعى اهتمامي بهذا الفن الإبداعي على وجه الخصوص هو الأثر العميق، الذي يتركه في نفس المتلقي من خلال الاعتماد فقط على اللغة البسيطة والرسومات المعبرة، التي تعزز التواصل مع القارئ أياً كان عمره، مما يساعد على إيصال رسائل إنسانية عميقة تترسخ في داخل الإنسان، وترافقه خلال مشوار حياته، وذلك بالاعتماد فقط على فكرة أن هنالك دائماً طفل صغير بداخل كل إنسان مهما كان عمره».
وتابعت: «دخولي مجال الكتابة للأطفال لم يكن سهلاً على الإطلاق، حيث إن اهتمامي بهذا المجال جاء في فترة زمنية شهدت وجود الكثير من التحديات، كما أن جزئية الحصول على فرصة وقتها لإثبات الموهبة كانت أمراً في غاية الصعوبة، لكن الوضع تغير جذرياً خلال السنوات الأخيرة، وصار هناك عدد كبير من المؤسسات والجهات ودور النشر التي تسعى لاكتشاف المواهب ودعمها ونشر أعمالها.
وقد لقيت التشجيع من عائلتي، وتحديداً من والدتي، رحمها الله، والتي كانت من العاملين في القطاع التربوي في الدولة، فأنا أدين لها بالكثير، حيث إنها كانت أكبر الداعمين لي، ومنها اكتسبت حب المطالعة والسعي نحو المعرفة والإحساس بالمسؤولية، والإعلاء من شأن القيم الإنسانية بشكل عام».
«صديق مميز»
وأكدت الشامسي أنها تستلهم قصصها عادة من الحياة الواقعية مع إضافة شيء من الخيال إليها، وتقول: «أحرص دائماً أن تحمل إصدارتي للأطفال في طياتها رسالة إنسانية قبل كل شيء، كما أنني أسعى دائماً من خلال ما أقدمه من أعمال قصصية إلى إثراء لغة الأطفال وإثراء شخصياتهم ومساعدتهم على فهم محيطهم وتعزيز تفاعلهم معه بالشكل الإيجابي، فقصتي «صديق مميز» مثلاً تعزز قيمة الرحمة و الرفق بالحيوان المصاب بإعاقة من خلال منحه فرصة لحياة أفضل، وقصة «المحامية سلمى» تؤكد أهمية قيمة الصداقة وأثر الأصدقاء في حياتنا، وقصة «متحف سمية» تشجع الأطفال على إدراك قيمة الأشياء في حياتهم، وتبين لهم أن الأشياء البسيطة من حولهم قد تختزل لهم ذكريات ولحظات جميلة لا تنسى».
وفي السياق نفسه تحدثت عن أغلفة القصص وقالت: قصص الأطفال المصورة وخاصة تلك الموجهة للفئات العمرية الصغيرة لا تعتمد على نص الكاتب وحده، بل هناك دائماً نص بصري آخر مواز للنص المكتوب يكتبه الرسام بريشته وألوانه، يبدأ من الغلاف وحتى الصفحة الأخيرة من القصة. هذا التعاون الإبداعي المبني عادة على التكامل بين دور الكاتب ودور الرسام تحت مظلة دار النشر هو ما يجعل كتب الأطفال مميزة في نظر الجميع.
خبرة تراكمية
وأضافت: «تعتبر الدورات التدريبية في مجال كتابة قصص الأطفال عاملاً مهماً في رفع كفاءة كتاب أدب الطفل بشكل عام، إذ إنها تسهم بشكل كبير في في تحسين مهارات الكتابة، وتحسين الأسلوب الفني للكاتب، وتعريفه بأفضل التقنيات والأساليب الإبداعية المعاصرة المستخدمة في تطوير المحتوى القصصي للأطفال حسب المعايير العلمية والفنية الحديثة، كما أنها في الوقت نفسه تتيح للكتاب الجدد المهتمين بأدب الطفل فرصة الالتقاء بأمهر المدربين في مجال الكتابة للأطفال، والاستفادة من قصص نجاحهم وخبراتهم التراكمية في هذا المجال، وتتيح كذلك للكتاب فرصة اللقاء بكتاب آخرين يشاركونهم ذات الشغف، وهذا قد يسهم مع الوقت في بناء مجتمع إبداعي يثري أدب الطفل في الدولة بشكل عام، لكن بالرغم من أهمية الدورات التدريبية إلا أنها وحدها لا تكفي لصنع كاتب جيد، حيث إنها لا بد أن تقترن بالقراءة والمطالعة، والاطلاع على مستجدات هذا المجال وتطوره المستمر على مستوى العالم، فأدب الطفل بطبيعته فن حيوي ومتجدد وبعيد كل البعد عن الجمود والثبات».
وأردفت: «بالنسبة لطموحي الشخصي فأنا أطمح إلى أن يتم تحويل إحدى قصصي المنشورة يوماً ما لفيلم رسوم متحركة قصير للأطفال».
واختتمت: «نحن محظوظون أننا نعيش في دولة لا تعترف بمفردة «المستحيل»، كما أنها تمتلك كافة الإمكانات، وتخلق فرص إبداعية كثيرة ومستدامة للكتاب والرسامين ولكافة المهتمين بأدب الطفل وفنونه المتنوعة، بالشكل الذي سيثري على المدى المتوسط والبعيد قطاع الصناعات الإبداعية في الدولة بشكل ملموس ومؤثر».