حمل مقال نشره مجلس الشؤون الدولية الروسي النخبة السياسية في ليبيا مسؤولية الفشل في إجراء الانتخابات الرئاسية والوطنية حتى الآن، لافتا كذلك إلى عدم قدرة القوى الدولية على التدخل، وتحريك الأزمة في ظل الأوضاع الراهنة.
واستبعد المقال، كما نقلت بوابة الوسط، حل الأزمة السياسية في ليبيا في أي وقت قريب، وتحدث عن نجاح التشكيلات المسلحة في أنحاء البلاد، ولا سيما في الغرب، في مراكمة نفوذ ضخم خلال السنوات الماضية، لدرجة أنها أصبحت متشابكة مع الهياكل الرسمية للدولة.
وتحدث المقال عن بروز «جيل جديد من أبناء القادة السياسيين في شرق وغرب ليبيا يلعبون دورا محوريا في القطاعات السياسية والأمنية والاقتصادية».
وقال: «القوى الدولية والمنظمات الدولية تتوق إلى لعب دور أكبر في التسوية الليبية، على الرغم من أنها دائما ما تحمل أولويات مختلفة في السياسة الخارجية.
وعلى مدى عقد كامل من الأزمة، فضل هؤلاء إدارة المخاطر في المقام الأول لتحقيق مكاسب قصيرة ومتوسطة الأجل بدلا من تحمل
المسؤولية، واتباع سياسة نشطة لإرساء السلام».
ورجح كاتبا المقال: الباحث في الأكاديمية الروسية للعلوم غريغوري لوكيانوف، والباحث في مركز «يفغيني بريماكوف» للتعاون الدولي رسلان محمدوف، استمرار ما وصفاه بـ«التعايش التنافسي بين الحكومتين: حكومة الوحدة الوطنية الموقتة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس والحكومة المكلفة من مجلس النواب في الشرق، دون نهاية قريبة في الأفق».
وفسر المقال ذلك بأن «إجراء انتخابات حرة وتنافسية يعني الإطاحة بهؤلاء الذين يشغلون مناصب مهمة في مختلف قطاعات الدولة، ويسيطرون على الموارد والاقتصاد، معتبرا أن تناوب وتغيير النخب، الذي يعتبره الكثيرون ضروريا لاستنئاف العملية السياسية واستعادة شرعية الدولة، يهدد مصالح من يتربع على قمة هرم السلطة».
وأضاف: «هؤلاء الذين راكموا ثرواتهم ونفوذهم خلال الحرب الأهلية قادرون على حمايتها وزيادتها باستخدام الوسائل نفسها في ظل استمرار عدم اليقين القانوني، وإملاءات قوانين الحرب التي تتلخص في أن القوي دائما على حق».
واستطرد: «لا يوجد سبب يجبر هؤلاء على الدفع صوب إجراء انتخابات وطنية، واتخاذ خطوات حقيقية للانتقال إلى مرحلة جديدة، مع استمرارهم في التمتع بالحصانة القانونية والاقتصادية والسياسية».
وعلى الرغم من اتفاق المشاركين في اجتماع استضافته القاهرة، مارس الماضي، بحضور رؤساء: المجلس الرئاسي محمد المنفي، ومجلس النواب عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، على «ضرورة تشكيل حكومة موحدة» تقود البلاد إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، فإن مراقبين اعتبروا أن «البيانات الصادرة عن اجتماع القاهرة لا تتعلق بالوقائع على الأرض».
ولفت المقال إلى واقعة الهجوم على منزل إقامة الدبيبة، نهاية مارس الماضي، من قِبل مجهولين باستخدام قاذفات وقنابل يدوية، وهو هجوم استهدف على ما يبدو منزل إبراهيم الدبيبة، أحد أقرباء رئيس الحكومة.
وأوضح أن «الهجوم يؤكد أنه لا يجب التقليل من أهمية ونفوذ التشكيلات المسلحة التي أصبحت متشابكة مع الشبكات الإجرامية والمجتمعات المحلية والبيروقراطية، وبالتالي تحولت إلى طرف حاسم في العملية السياسية»، وأضاف أنه «على الرغم من نجاح الدبيبة وعائلته في إحكام سيطرة «حكومة الوحدة الموقتة» على غرب ليبيا، فإن تلك المنطقة لا تزال تشهد منافسة شرسة بين المجموعات والتشكيلات المسلحة المختلفة، للسيطرة على المصادر والموارد المالية».
تشمل تلك الموارد بشكل رئيسي البنية التحتية للنقل، ومنها خطوط الأنابيب النفطية وحركة البضائع، سواء البضائع القانونية أو المهربة، التي تشمل الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر. وقد حاولت المجموعات المسلحة التابعة لـ«حكومة الوحدة»، لكنها ليست خاضعة لسيطرتها الكاملة، خلال عامي 2023 و2024 حرمان النخب المحلية من نفوذها المهيمن على طرق النقل والتجارة.
ولعب وزير الداخلية عماد الطرابلسي، حسب المقال، «دورا حيويا في إعادة توزيع النفوذ في العاصمة طرابلس خدمةً لمصالح الدبيبة. كما أن التشكيلات الموالية له لعبت دورا نشطا خلال الأشهر الماضية في التخلص من العناصر التي وصفها بالإجرامية في الزنتان، وجبل نفوسة وزوارة.
وربط المقال بين إقالة محمد عون من وزارة النفط، أبريل الماضي، والصراع المستمر في الغرب للسيطرة على العائدات النفطية. وقال: «كانت إقالة عون تطورا مهما، ولا سيما بعد تعيين خليفة عبدالصادق، المقرب من إبراهيم الدبيبة، خلفا له».
وعلى الرغم من أن تعيين عبدالصادق على رأس وزارة النفط فتح الباب أمام عدد من المشاريع النفطية الضخمة، فإنه سلط الضوء على هشاشة القطاع النفطي أمام الأزمة السياسية المستمرة.
كما سلطت إقالة عون، حسب المقال، الضوء من جديد على الفساد المتفاقم في القطاع النفطي، وعلى بعض المشاريع المثيرة للجدل، وأبرزها مشروع تطوير حقل الحمادة والقطعة «NC-7».
وإلى جانب المؤسسة الوطنية للنفط، تحدث المقال عن « استمرار صراع الأجهزة داخل مصرف ليبيا المركزي، وهو ما ظهر جليا في المواجهة المفتوحة بين الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، الذي كشف مغالطات في تعاملات حكومية، وأعلن اعتراضه على بعض سياسات الحكومة».
وعلى الرغم من تجاهل «الكبير» قرارات مجلس النواب سابقا، متذرعا بشكوك حول شرعيته، فإنه يسعى للتقرب من رئيس المجلس، عقيلة صالح، في الأونة الأخيرة، وهو ما قد ينعكس سلبيا في نهاية المطاف على نفوذ الدبيبة، حسب المقال.
وعلى الصعيد المحلي، لفت المقال إلى أن أحد عوامل الأزمة الرئيسية في ترتيبات النخبة ما يتعلق بالاتفاق على توزيع العائدات النفطية. وقال: «يمكن أن نلاحظ الضغوط المتنامية من قِبل مجلس النواب والقيادة العامة، ويشمل ذلك الأمور المتعلقة بتشديد الإطار القانوني، على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، التي تسعى في المقابل إلى تقويض منافسيها».
وأضاف: «على الرغم من الترتيبات التي سمحت ببعض الإصلاح في الوضع القائم خلال السنوات الماضية، فإن الأطراف المختلفة تعتبرها مجرد تدابير موقتة، وهذا يفسر غياب التنفيذ الرسمي لتلك الترتيبات، وكذلك الاضطراب الذي يحيط بالمؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، وغيرهما من الهياكل الرسمية».
وتحدث المقال عن أن «المناطق شرق الخط الفاصل بين سرت والجفرة تعتمد على القوة العسكرية للمشير حفتر، بينما في الغرب غالبا ما تتركز السلطة الحقيقية على الأرض في يد عدد من التشكيلات المسلحة».
وتابع: «في ظل تلك الظروف تعلمت الأطراف الإقليمية والدولية خلال السنوات الماضية كيفية إدارة المخاطر، وليس التعاون لتعزيز حل الصراع، وإعادة الحياة إلى طبيعتها. وعلى الصعيد المحلي، هناك مراجعة للاتفاقات غير الرسمية التي برزت عقب تصاعد الصراع المحلية في 2019 و2020، لإعادة توزيع الثروة، وليس التغلب على الأزمة السياسية التي تحولت إلى أزمة طويلة الأمد ووضع دائم في المجتمع الليبي».
وسجل المقال بروز ديناميكيات جديدة في الأزمة الليبية بدءا من العام 2019، تشكلت بالتزامن مع المصالحة المصرية – التركية، والتركية – الإماراتية، وكذلك رغبة أنقرة في تطوير التعاون مع روسيا في الملف الليبي.
وقد تنامى النفوذ التركي في ليبيا بشكل سريع وثابت منذ العام 2019، وكانت أنقرة قادرة وحدها على بناء استراتيجية شاملة للتغلغل والتعزيز في ليبيا، تشمل أدوات أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية في وقت قصير.
وتملك أنقرة وجودا دائما في قاعدة الوطية الجوية، القريبة من مدينة الزنتان، وقواعد بحرية في مصراتة والخمس، وكذلك اتصالا مباشرا مع التشكيلات المسلحة في طرابلس.
في المقابل، سجل المقال زيادة في النشاط الأميركي والبريطاني في ليبيا بين عامي 2020 – 2023، مع الانخراط في العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن الدبلوماسيين الأميركيين «أهدروا الكثير من الموارد والنفوذ المتراكمة خلال السنوات الماضية دون تحقيق النتائج المتوقعة».
ويلاحظ أن الكاتبين الروسيين تجاهلا في مقالهما الحديث أو الإشارة إلى نفوذ روسيا المتزايد في ليبيا، إذ تتحدث تقارير إعلامية غربية عن وصول ما يصل إلى 1800 جندي روسي إلى ليبيا في الآونة الأخيرة، بعضهم توجه إلى القاعدة 101 الجوية في النيجر. كما كشفت تقارير عن رغبة موسكو في إقامة قاعدة بحرية في ميناء طبرق شرق البلاد، وهو ما يمثل تهديدا متناميا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو».
غير أن المقال أشار إلى أن محدودية الموارد وانعدام الرغبة السياسية، سواء على صعيد دول الخليج أو جيران ليبيا في شمال أفريقيا، جعلا من المستحيل تحديد أي جهة فاعلة قادرة على الهيمنة بمفردها داخل ليبيا، وهو ما جعل من المستوى المحلي للصراع بُعدا مهما في الأزمة، حسب المقال.
وأكد المقال أن الوضع القائم يسمح للنخب السياسية بالحفاظ على مناصبها ومراكمة الثروات والنفوذ، على الرغم من أن ثلث الشعب الليبي يعاني الفقر. هذا بالإضافة إلى مليارات من الدولارات من العائدات النفطية المجهولة المصدر، مع تهريب ما يصل إلى ثلث الوقود المدعم إلى الخارج، وهو ما أطلق عليه مسؤول أممي سابق «كليبتوقراطية إعادة التوزيع».
يأتي ذلك في ضوء حضور متنامٍ لما وصفه المقال بـ«جيل جديد من ممثلي النخبة في الفضاء العام»، إذ أوضح: «يقوم الدبيبة وأفراد عائلته، وكذلك المشير خليفة حفتر وأبناؤه، بزيادة نفوذهم، ليس فقط في القطاع الاقتصادي والأمني، بل أيضا في الفضاء السياسي».
وقال الباحثان الروسيان: إن «أبناء القادة السياسيين في ليبيا يلعبون دورا رئيسيا في هذا الفساد»، وأضافا أن «الفجوة بين الدبيبة وحفتر يجرى سدها بشكل بطيء إلى حد كبير بفضل العلاقة الوثيقة بين صغار العائلتين الذين استفادوا من الصفقات الناتجة من هذه العلاقات».
ظهرت المقالة مستبعدا نهاية قريبة للأزمة.. معهد روسي يحمل النخبة الليبية الفشل في إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً على ج بلس.







