تبدو تصورات إعادة استئناف المسار السياسي الليبي، بعد اجتماع أعضاء مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في القاهرة، رهن تفاهمات تدفع بحكومة جديدة يترأسها عبد الحميد الدبيبة، بما يعيد توحيد المؤسسات. ورغم استمرار حالة عدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بالمسار السياسي لإنهاء الانقسامات داخل ليبيا بين الشرق والغرب، إلا أن اجتماعات القاهرة التي عُقدت نهاية الأسبوع الماضي، بمشاركة أعضاء المجلسين المذكورين، ناقشت تصورات «أُعلن بعضها وبقي بعضها الآخر سراً ورهن مفاوضات ومداولات موسّعة»، بحسب ما أفادت به مصادر «الأخبار». ومن شأن هذه المداولات، وفقاً للمصادر، «إما أن تدفع نحو حلحلة حقيقية للأزمة أو إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى إشعار آخر بموجب التفاهمات الحالية بين أطراف الصراع، والتي ضمنت لكل شخص البقاء في منصبه والمحافظة على ما اكتسبه من نفوذ في السنوات الماضية».على أن ما جرى التوصل إليه في تلك الاجتماعات، ونال دعماً إقليمياً، هو التوجه نحو «تشكيل حكومة موحّدة جديدة ودعوة البرلمان إلى فتح باب الترشح لرئاستها»، وهو الموقف الذي يتبناه بقوة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي يرغب في «الاحتفاظ بشرعية المجلس المنتهية ولايته». وفي هذا الإطار، نوقشت سراً مسألة إقناع رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، بترشيح نفسه من طريق البرلمان، لتحصل حكومته على ثقة مجلس النواب وتبدأ مباشرة مسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن عملية الإقناع هذه تحمل مخاطرة كبيرة، لناحية احتمال عدم حصوله على ثقة المجلس.
وعلى هذه الخلفية، تجري مناقشة تصورات مصرية – تركية مشتركة لتقديم كل الضمانات للدبيبة بضمان بقائه على رأس الحكومة، بما ينهي الخلاف المستمر منذ سنوات بينه وبين مجلس النواب، ويتيح إعادة توحيد مؤسسات البلاد مرة أخرى. لكنّ ثمة شروطاً يرغب رئيس «النواب» وشريكه القائد العسكري، خليفة حفتر، في فرضها على الدبيبة، في حال موافقته على التصور المذكور، ومن ضمنها المحاصصة في بعض الوزارات، فضلاً عن الإبقاء على حفتر في قيادة وزارة الدفاع أو بقاء الإشراف عليها من خلاله.
ورغم الدعم الأممي لمباحثات القاهرة، والتي جاءت بعد شهور من الجمود، إلا أن الأزمة الحقيقية في الوقت الراهن تتمثل في الخلاف حول مسار الحل السياسي؛ ففي الوقت الذي يراه مجلس النواب مرتبطاً بحكومة جديدة تؤدي دورها في الإشراف على الانتخابات، يطالب «الأعلى للدولة» بالتوجه نحو إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور باعتباره «الطريق لتحقيق الاستقرار»، إذ يراهن رئيس «الأعلى للدولة»، محمد تكالة، الذي يخوض انتخابات رئاسة المجلس الشهر المقبل، على قدرة مجلسه على الحفاظ على نفوذ حكومة الدبيبة في حال محاولة مجلس النواب تشكيل حكومة جديدة، فيما يظل الخلاف الجوهري بين المجلسين حول الميزانية، وسط استمرار رفض «الأعلى للدولة» تمرير الميزانية التي اعتمدها البرلمان.
وهكذا، تبدو هوة الخلافات بين المجلسين واسعة، وهي لا تزال بحاجة إلى مواءمة سياسية يقدم فيها كل طرف تنازلات للآخر من أجل ضمان الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق السياسي، في الوقت الذي يبرز فيه دور الأطراف الإقليمية التي تلعب دوراً محورياً في الضغط لتقديم تنازلات تؤدي إلى دعم المسار السياسي. وفيما تطالب «البعثة الأممية» في ليبيا بضرورة وجود مسار واضح ومتكامل نحو دعم الانتخابات، وعدم اقتصار التحركات على خطط مرحلية فحسب، إلا أن الجزء الكبير من الأزمة يتصل بكثرة الضمانات التي يطلبها كل طرف، والتي تعني عدم تقديم تنازلات إلى حين إجراء الانتخابات. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن صالح وحفتر طلبا «مناصب سيادية» للموافقة على إعادة منح الثقة لحكومة الدبيبة من البرلمان، على أن تتولى الأخيرة عملية الإشراف على العملية الانتخابية، مع اشتراط تمرير قوانين تسمح لهم جميعاً بخوض الانتخابات الرئاسية، وعودة العسكريين إلى مناصبهم في حال خسارتهم للانتخابات.
وعلى أي حال، فإن الدبيبة الذي يحظى بدعم مصري وعربي اليوم أكبر من أي وقت مضى منذ الانقسام الذي حدث في آذار 2022، باتت فرصته أكبر في الحصول على مكتسبات في ظل عدم الاعتراف العربي بحكومة أسامة حماد، المشكَّلة من قِبل البرلمان، والتي لا تزال تدير نظرياً المنطقة الشرقية، بينما لا يستطيع رئيسها القيام بأي دور على أرض الواقع.
اجتماعات القاهرة تكسر الجمود نحو حكومة موحّدة بقيادة الدبيبة؟

تابعونا على مواقع التواصل الإجتماعي






