أقامت السفارة السورية في موسكو اليوم حفلاً مركزياً خاصاً بالذكرى السنوية الثمانين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وروسيا، وذلك بالتعاون مع الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية.
وحضر الحفل الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف وكبار موظفي الخارجية الروسية ومسؤولون روس آخرون مدنيون وعسكريون ولفيف من الشخصيات الاجتماعية والثقافية والدينية الروسية وأعضاء في مجلس الاتحاد ومجلس الدوما وسفراء ورؤساء بعثات دبلوماسية معتمدون في موسكو وممثلو وسائل الإعلام الروسية والأجنبية وحشد من أبناء الجالية السورية.
وشدد بوغدانوف في كلمته خلال الحفل على أهمية العلاقات الروسية السورية ومحوريتها الجيوسياسية، منوها بالتنسيق بين البلدين في المسائل الإقليمية والدولية.
وتلا بوغدانوف رسالة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي جدد فيها تأييد موسكو ودعمها لسيادة سورية وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي.
بدوره أكد سفير سوريا لدى روسيا الدكتور بشار الجعفري في كلمته أن الذكرى الثمانين للعلاقات الدبلوماسية السورية الروسية تختزل عقودا وسنوات أبعد بكثير من تاريخ إعلانها الرسمي، لافتا إلى أن اختيار روسيا الاتحادية لسورية كمقر إقليمي لـ “رابطة محبي روسيا” لم يكن مصادفة وإنما نتيجة عوامل التقارب الثقافية والسياسية الكثيرة القائمة بين البلدين، إضافة إلى وحدة الموقف في وجه الهيمنة الغربية، وما يخوضه البلدان اليوم من حربٍ ضد إرهاب وفكر معولم هدد وما يزال يهدد الإنسانية جمعاء.
وأشار الجعفري إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وموسكو أقيمت في ذروة الحرب العالمية الثانية في تحدٍ لسياسات الهيمنة الاستعمارية التي كانت سائدة آنذاك، مؤكداً أن البلدين يقفان مجدداً اليوم في الطرف الصحيح من التاريخ في مواجهة هيمنة القطب الواحد والسعي إلى إنشاء نظام عالمي عادل على أساس التعددية القطبية.
واستعرض الدكتور الجعفري بعض مفاصل تاريخ علاقة الصداقة والتحالف السوري- الروسي، مؤكدا أنها تتميز بتعدد الأوجه وتستند إلى الاحترام المتبادل والثقة العميقة والرغبة في تطويرها باستمرار بما يخدم مصالح البلدين الصديقين وشعبيهما وخدمة الاستقلال وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
واستذكر الجعفري أن الاتحاد السوفييتي كان أول من استخدم امتياز النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي في الـ 16 من شباط عام 1946 لإسقاط مشروع قرار فرنسي يفرض شروطاً على مطلب الوفد السوري لدى الأمم المتحدة بسحب القوات الفرنسية والبريطانية المُستعمِرة من سوريا ولبنان.
ولفت الجعفري إلى تاريخ العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين، ابتداءً باتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة في عام /1957/، واتفاقية استثمار النفط السوري وطنياً مروراً بالاتفاق على قيام الاتحاد السوفييتي عام 1966 بالبدء بأعمال بناء سد الفرات في سوريا، ثم سدي الطبقة والبعث.
وأوضح الجعفري أن العلاقات بين البلدين تعمقت في ثمانينات القرن الماضي وترسخت بتوقيع “معاهدة الصداقة والتعاون” بين البلدين والتي نتج عنها الدعم السوفييتي للجيش العربي السوري وإمداده بالسلاح والمستشارين والخبراء، وذلك في العام 1980 كما تمتنت بشكل أكثر في تاريخنا المعاصر، من خلال التصدي للإرهاب الدولي الذي أطلق الغرب عنانه ضد سورية فما كان من الحليف الروسي إلا التعاون معها ومشاركتها في هذه الحرب إدراكاً وإيماناً منه بأن خطر الإرهاب يهدد البشرية جمعاء.
وأكد السفير الجعفري أن الشراكة الاستراتيجية الممتدة والمتأصلة بين الدولتين والشعبين، تعيش اليوم ذروة العلاقة من الأخوة والتعاون والتحالف الاستراتيجي في عهد الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، مشيرا إلى أن السفارة حريصة على التواصل الدائم والحفاظ على أفضل العلاقات مع الأصدقاء الروس.
من جانبه أكد العميد عبد الحميد ديوب الملحق العسكري في السفارة السورية في موسكو أن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية وروسيا يعتبر حدثاً تاريخياً في مسيرة العلاقات بين البلدين ومهد الطريق لمرحلة من التعاون والتكامل، مشددا على أهمية الدعم العسكري الروسي لسورية الذي أسهم في تعزيز قدرة الجيش السوري ونجاحه في تدمير أوكار الإرهابيين وإعادة الأمن والأمان والسلام للشعب السوري، وأن سورية ستكون صديقاً حقيقياً وحليفاً مضموناً لروسيا في جميع الأوقات وفي مختلف الظروف.
ولفت سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية، أوليغ أوزيروف، في كلمته خلال الحفل إلى أن موسكو ودمشق ستعملان جنبا إلى جنب، على بناء مستقبل أفضل ليس فقط لشعبيهما، ولكن أيضا للشرق الأوسط بأكمله، معربا عن الثقة بأن روسيا وسورية ستتمكنان معاً من بناء مستقبل أفضل لشعبيهما، وللشرق الأوسط بأكمله.
وقال أوزيروف: نحيي اليوم ذكرى جميع الأبطال الذين استشهدوا دفاعاً عن سيادة سورية واستقلالها، معربا عن فخره لأن الاتحاد السوفييتي ثم روسيا وقفا مع الشعب السوري في الدفاع عن سيادة سورية وسلامتها الإقليمية واستقلالها.
وأشار منسق الحفل مدير مكتب سانا في موسكو الدكتور فهد كم نقش في مستهل الفعالية إلى أنه منذ عام ١٩٤٤ رأت سورية والاتحاد السوفييتي أن الأوان قد آن لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وكانت مدافع الحرب العالمية الثانية التي تسمى هنا بالحرب الوطنية العظمى تدك وتدوي بكل قوتها في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط منذرة ومبشرة بالانتصار الوشيك للجيش الأحمر السوفييتي على الجحافل النازية الهتلرية .
وأضاف كم نقش: إنه منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا كانت العلاقات بين البلدين تسير بخط صاعد دائما منطلقة ومستندة إلى مبادئ احترام السيادة والتعاون متبادل النفع ومتعدد الأوجه حتى وصلت إلى ذروتها في أيامنا هذه في عهد الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين.
كما تناولت مداخلات الضيوف المشاركين في الفعالية المحطات المضيئة في تاريخ العلاقات الروسية السورية، ونوهت بالمواقف المبدئية والشجاعة التي اتخذتها سورية سياسياً وعسكرياً في صد ودحر التمدد الإرهابي عليها عبر أعتى هجمة أطلسية شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
وفي ختام الحفل قدم السفير الجعفري هدايا تذكارية إلى القيادة الروسية وأخرى تكريمية إلى لفيف من الشخصيات الاجتماعية والثقافية الروسية، كما وقلد عدداً من قدماء المحاربين الروس ميداليات “الخدمة الميدانية في سورية”، ثم تسلموا كتاب “أسد تدمر” الذي طبعته ونشرته السفارة باللغة الروسية.
وكان استهل الحفل بقراءة مقتطفات من برقيتي التهنئة التي تبادلها السيدان الرئيسان بشار الأسد وفلاديمير بوتين بمناسبة الذكرى الثمانين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكذلك رسالتي التهنية بين وزيري الخارجية.