استأثر زعْم أحد المرشدين السياحيين، في توضيحات قدمها لأجانب، بأن تاريخ موقع شالة بمدينة الرباط “يعود إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد” باهتمام باحثين في مجال التاريخ والإرشاد السياحي، شددوا على “ضرورة الحرص على تقديم التاريخ الوطني بعناية وبدون أخطاء غير مسموح بها”.
هذا الموضوع يطرح نفسه بالفعل بين المهنيين الذين سبقوا أن طالبوا بتوحيد المعلومة التاريخية لفائدة المرشدين السياحيين المعتمدين، من أجل ضمان عدم الاعتماد على معطيات تاريخية غير رسمية أو مشكوك في صحتها، موازاة مع مختلف الإجراءات التي حاولت الوزارة الوصية على القطاع إقرارها من أجل تحصين المجال ضد المتطفلين.
ويشهد المغرب في الفترة الراهنة طفرة في المجال السياحي بعد أن تجاوز عدد السياح الوافدين على المملكة 14 مليون سائح السنة الماضية، في وقت توجد تطلعات وطنية إلى تسجيل 17 مليون زائر سنة 2026 و26 مليونا سنة 2030، تزامنا مع تنظيم البلاد عددا من التظاهرات الدولية، بما فيها كأس أمم إفريقيا، وكأس العالم إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال.
وصدر ضمن الجريدة الرسمية، يناير الماضي، قرار جديد لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني يحمل رقم 1706.23، يتعلق بتحديد الدبلوم الذي يمنح الحق في مزاولة مهنة مرشد المدن والمدارات السياحية، إذ اشترط الحصول على دبلوم الماستر المتخصص بمسلك “Tourisme et accompagnement”، من المعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة “ISITT”.
وأكد مهنيون لهسبريس أهمية المعرفة التاريخية بالنسبة للمرشد الذي ينتظر منه التعريف بالمآثر التاريخية الوطنية وبتاريخ البلاد ككل وتسويقه لفائدة الزوار، خصوصا في ظل الدينامية التي يعرفها المجال السياحي خلال الآونة الأخيرة، إلى جانب “توحيد المعلومة التاريخية وتوصيفات المواقع السياحية الإستراتيجية بما يحد من أي خطأ تجاه تاريخ البلد”.
توحيد المعلومة
قال مصدر من داخل الجامعة الوطنية للمرشدين السياحيين إن “بعض المغالطات التي تقع في حق التاريخ المغربي عند تقديمه لزوار المملكة تطرح الكثير من التساؤلات التي تخص تنظيم قطاع الإرشاد السياحي، وتحيل كذلك على كفاءة بعض المرشدين، رغم توفرهم على الرخص المطلوبة، وهو أمر ليس كافيا”.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لاعتبارات مهنية، أن “معرفة التاريخ مهمة، ويجب أن يكون هناك تكوين متواصل بخصوصها لفائدة كل من هو محسوب على مجال الإرشاد السياحي، فالترخيص ليس لوحده كافيا”، وزاد: “الزّلات المعرفية في مجال التاريخ غير مسموح بها، خصوصا إن كانت على الهواء ولا يمكن تداركها”.
كما اعتبر المتحدث نفسه أن “هذا الموضوع يحيل على ضرورة التأهيل المستمر للطاقات البشرية المشتغلة في هذا المجال، إذ إن السليم في الأساس هو الحصول على ماستر بمدينة طنجة، بما يعزز من كفاءة الشخص”، وتابع: “إن لم يتم التعامل بشدة في هذا الإطار فمن المؤكد أننا سنكون أمام أخطاء أخرى خلال السنوات التي نتوقع فيها ارتفاع عدد السياح”.
واسترسل المهني ذاته: “هذه الوقائع والاستحقاقات التي تنتظرنا كبلد وكمهنيين تؤكد على ضرورة التعامل مع طلب مهني سبق أن أثرناه، يرتبط أساسا بتوحيد المعلومة التاريخية، إذ سيُمكّن ذلك المرشدين السياحيين من القيام بمهامهم بطريقة مضبوطة، رغم أن بعضهم يأخذ المسألة بنوع من التكبر”، مشددا على أنه “من المهم جدا أن يتم الإتيان ببرامج رسمية للرفع من المنسوب المعرفي التاريخي للمهنيين، خصوصا أن الترويج لتاريخ البلاد يجب أن يكون بنوع من الحرص”.
“لا مجال للخطأ”
قال الكبير بوشعاب، رئيس الجمعية الجهوية للمرشدين السياحين جهة الداخلة وادي الذهب، إن “المغالطات التاريخية من قبل بعض المرشدين التاريخيين لا يجب السماح بأن تمس بتاريخ البلد وسمعته وثقله الحضاري وأمنه الثقافي، وهو الذي بقي دائما مهدا للحضارات، مع عدد من الاكتشافات التاريخية المتواترة التي تؤكد على عمق الحضارة المغربية”.
وأضاف بوشعاب، مُصرحا لهسبريس، بأن “البلاد كانت دائما منتجة حتى في الفترة التاريخية لما قبل الميلاد”، مردفا: “المرشد السياحي يجب أن يكون مطلعا على جديد الاكتشافات التاريخية، فنحن أمام تاريخ مغربي مطول يجب أن يتم تسويقه بشكل صحيح ودون مغالطات، إذ تنتظرنا رهانات سياحية كبرى خلال السنوات المقبلة”.
وتابع المتحدث: “المرشد السياحي لا نعتبره فقط ذلك الذي يسرد ما جاء في الكتب والوثائق التاريخية، بل يجب أن يكون باحثا ومنفتحا على مختلف العلوم والمصادر التاريخية والعلمية؛ فكل هذا بإمكانه أن يجعله أمام الخروج من قوقعة تقديم المعلومة”، خاتما: “هناك سياح واعون يجب توقع أسئلة تاريخية منهم، يمكن أن تكون مفاجئة. ويجب بخصوص ذلك أن يكون المرشد مستعدا وحريصا على الإجابة الدقيقة”.