كشفت الأمطار الطوفانية، التي شهدتها مجموعة من أقاليم الجنوب الشرقي خلال اليومين الماضيين، عن “اختلالات عميقة” في البنية التحتية بهذه المنطقة، ظلّت “متوارية” طيلة سنوات الجفاف الحاد الذي خيّم عليها، فيما يدّل على أن من تعاقبوا على تدبير الشأن المحلي بالمغرب الشرقي لم يلتقطوا “دروس تجارب سابقة لا تزال تداعياتها حاضرة في أذهان الساكنة إلى اليوم”، حسب ناشطين حقوقيين.
وأوضح الناشطون أن “هشاشة” البنية التحتية بالجنوب الشرقي تبّدت في تحوّل شوارع مدن المنطقة إلى سيول جارفة بفعل “نقص” قنوات تجميع وتصريف المياه وعجز القلّة الموجودة عن استيعاب الكميّات المهمة من الأمطار التي تهاطلت، بعد أن بقيت عرضة “للإهمال والحرمان من الصيانة الدورية” خلال السنوات السابقة.
وأبرز الناشطون أنفسهم أن ضعف البنية التحتية تجلى أيضا في “تعرّض محاور طرقية حديثة الإنجاز لتصدعات كبيرة عجّلت بانقطاعها”، محذرين من أن “تداعيات هذه الهشاشة، التي جعلّت الأمطار تحاصر الساكنة في منازلها وصعبّت قيام فرق السلطات المحلية بمهام التدخل والإنقاذ، قد تتعمّق مع استمرار توّقع تسجيل تساقطات رعدية قويّة بالمنطقة، مما يفرض تكثيف التحالف بين المنتخبين والسلطات والمجتمع المدني لمرور هذه الظرفية دون خسائر في الأرواح، في انتظار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة تجاه من تسببوا في هشاشة البنى التحتية بالمغرب الشرقي”.
حمو زراح، ناشط حقوقي بالجنوب الشرقي، قال إن “الأمطار الطوفانية التي أحدثت فيضانات كارثية سنة 2014 بالمنطقة سبق لها أن عرّت بشكل واضح هشاشة البنية التحتية بالجنوب الشرقي وقصرها عن استيعاب مثل هذه الأمطار، لكن تبيّن مع التساقطات الغزيرة الأخيرة أن المتعاقبين على تدبير الشأن المحلي خلال العشر سنوات الماضية لم يلتقطوا دروس هذه التجربة”.
وأضاف زراح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن” دقائق معدودة من الأمطار الطوفانية كانت كافية لتحوّل شوارع العديد من مدن الجنوب الشرقي إلى أنهار تحاصر منازل السكان وتحدّ من تحركاتهم بسبب افتقار مجموعة من الأحياء أساسا إلى قنوات لتجميع وتصريف المياه من جهة، وعدم جهوزية القنوات الموجودة للتعامل مع مثل هذه الأمطار بسبب التقاعس عن صيانتها بشكل دوري من جهة ثانية”.
مواصلا كشف تجليات “هشاشة” البنية التحتية أشار الناشط الحقوقي ذاته إلى “تعرّض مجموعة من المحاور الطرقية حديثة الإنجاز، لا سيّما على مستوى الطريق الوطنية رقم 9، لتصدّعات كبيرة بفعل غمرها بالوديان”، مضيفا أن “هذه الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تهدد بتعسير مهمة فرق التدخل والإنقاذ في حال ما استمر تسجيل نسب مرتفعة من هذه الأمطار الطوفانية كما هو متوقّع، مما قد يؤدي لا قدّر الله إلى حدوث خسائر بشرية”. وأشار إلى أن “السلطات في هذه الفترة مطالبة بتدارك خطأ إهمال البنية التحتية عبر القيام بإجراءات استبّاقية”.
وتابع قائلا: “بعد مرور هذه الظرفية يجب أن يتمّ الانكباب على محاسبة المسؤولين عن واقع هشاشة البنية التحتية التي تعرفها المنطقة، ومراقبة وتدقيق مجموعة من مشاريع البنية التحتية التي ألقت هذه الأمطار الطوفانية الضوء على وجود مفارقة بين التكلفة المادية لأشغالها وجودتها”، مطالبا المسؤولين على المستوى الوطني “بالتدخل لحلحلة هذه الإشكالية بما يضمن حقّ ساكنة الجنوب الشرقي في بنية تحتية قوية على غرار باقي المناطق المغربية”.
محمد لمين لبيض، ناشط حقوقي بالجنوب الشرقي وتحديدا بزاكورة، أوضح بداية أن “العديد من سكان المنطقة كانوا على موعد مع ليلة بيضاء أمس السبت بسبب تخوّفهم من تداعيات الأمطار الطوفانية التي لم يسبق لهم أن رأوها منذ عقود”، مشيرا إلى أن “تحوّل الشوارع إلى سيول جارفة بفعل عدم جهوزية قنوات تصريف ومعالجة المياه وعدم صيانتها بشكل دوري جعل الساكنة محاصرة في منازلها ولم تعد تعلم إلى أين يمكنها التوّجه”.
لبيض سجّل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الهشاشة التي كشفت عنها الأمطار الأخيرة يدفع ثمنها المواطنون، الذين يتخوّفون من ازدياد حدّة هذه الأمطار في الأيام المقبلة، وأعوان السلطات المحلية والقوات المساعدة وأفراد الوقاية المدنية، الذين يشتغلون في ظروف صعبة لأجل التدخل في الوقت المناسب وتفادي وقوع خسائر في صفوف الأرواح”، مشيرا بدوره إلى أن “صعوبة تدبير عمليّات التدخل والإنقاذ، خصوصا بالمناطق القروية، ستزداد مع انقطاع الطريق الوطنية رقم 9 جراء ما لحقها من أضرار بسبب الفيضانات”.
واستغرب الناشط الحقوقي “التأخر المسّجل في توفير آليات المجلس الإقليمي بزاكورة رهن إشارة المناطق الأكثر تضررا جراء هذه الفيضانات، خصوصا جماعة تاكونيت، رغم إصدار المديرية العامة للأرصاد الجوّية نشرة إنذارية بمستوى أحمر منذ يوم الجمعة الماضي”، مضيفا أنه “من غير المقبول من أي جهة كانت التراخي أو التخلف عن التحالف بين السلطات والمجتمع المدني من أجل مرور هذه الظرفية بلا تسجيل أي خسائر في الأرواح”.