بدأ تسريب الوثائق في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تقرير بريطاني حول إخراج الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة، ليتدحرج إلى فضيحة كبرى كادت تعصف بإسرائيل.
كشفت محكمة إسرائيلية عن تورط مستشار إعلامي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تسريب وثائق سرية، الأمر الذي يحتمل أنه “عرقل اتفاق إطلاق سراح الأسرى المحتجزين في غزة”.
نشرت صحيفة “جويش كرونيكل” البريطانية في 5 سبتمبر الماضي، تقريرا مفاده أن رئيس حركة “حماس” الراحل يحيى السنوار كان “يعتزم محاصرة نفسه بالأسرى والهروب معهم إلى إيران عبر الأنفاق في محور فيلادلفيا”، إلا أنه تبين لاحقا عدم صحة التقرير. واشتبه رجال التحقيقات الإسرائيليين في أن الشخص الذي قام بنشر هذا الخبر هو نفس المتحدث في مكتب نتنياهو.
الاشتباه الثاني كان في نشر صحيفة “بيلد” الألمانية في 6 سبتمبر الماضي، وثيقة من جهاز مخابرات “حماس”، موقعة باسم يحيى السنوار كتب فيها مبادئ إدارة مفاوضات وقف إطلاق النار (في وقت لاحق أوضح الجيش الإسرائيلي أن الوثيقة لم يكتبها السنوار).
وقالت القناة 12 العبرية في 7 سبتمبر الماضي، نقلا عن مصادر خاصة إن الوثيقة التي تفصل استراتيجية حماس التفاوضية، والتي نشرت في صحيفة “بيلد” الألمانية، كانت في الواقع في أيدي الجيش الإسرائيلي منذ منتصف أبريل الماضي لدى الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات، ولكن لم يتم إطلاع الجمهور أو مسؤولي وزارة الدفاع أو الجيش الإسرائيلي أو فريق المفاوضات، وحتى أنه لم يتم إطلاع الجنرال نيتسان ألون، ولا رئيس الأركان ولا وزير الدفاع ولا حتى رئيس الوزراء نتنياهو نفسه عليها.
في بداية إحدى جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي في 8 سبتمبر الماضي، أشار نتنياهو إلى التقرير الألماني حول وثيقة “حماس” وقال: “نشرت صحيفة بيلد الألمانية وثيقة رسمية لحماس تكشف عن خطة عملها في: زرع الفرقة في داخلنا، وشن حرب نفسية على أهالي المختطفين لممارسة ضغوط سياسية داخلية وخارجية، وعلى حكومة إسرائيل، ولتمزقنا من الداخل وتستمر في الحرب حتى هزيمة إسرائيل”.
وأضاف نتنياهو: “الغالبية العظمى من المواطنين الإسرائيليين لا يقعون في فخ حماس هذا، إنهم يعرفون أننا ملتزمون بكل قوتنا بتحقيق أهداف الحرب – القضاء على حماس، وإعادة جميع المختطفين. وضمان ألا تشكل غزة بعد الآن تهديدا لإسرائيل ولعودة سكاننا في الشمال والجنوب بأمان إلى منازلهم”.
بعد نشر وثيقة استراتيجية التفاوض مع حماس في صحيفة “بيلد” الألمانية، أكد الجيش الإسرائيلي في 8 سبتمبر الماضي، أنه تم العثور عليها قبل حوالي خمسة أشهر – ولم يكتبها السنوار. وأوضح أيضا أن هذه وثيقة قديمة كتبت كتوصية من أعضاء متوسطي المستوى في حماس. وفيما يتعلق بتسريبها، قال الجيش إن “تسريب الوثيقة يعد جريمة خطيرة وسيتم فحصها والتحقيق فيها من قبل السلطات المختصة”.
سارة نتنياهو في إشارة إلى التقرير البريطاني: “لا ينبغي التخلي عن المختطفين في غزة – سوف يهربون إلى إيران”
التقت زوجة رئيس الوزراء، سارة نتنياهو، بممثلي عائلات الأسرى في 10 سبتمبر الماضي، ووصفت المظاهرات بأنها “صادمة”، وادعت أنه إذا انسحب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا، فسيكون ذلك بمثابة “7 أكتوبر جديدة”.
وعندما سألها أحد الممثلين عن مبدأ “الجميع مقابل الجميع، ووقف إطلاق النار”، أجابت: “مثير للاهتمام، هذه فكرة. سأتحدث عن ذلك مع رئيس الوزراء. ويجب عدم التخلي عن بقية المختطفين، قبل أن يتم تهريبهم إلى اليمن وإيران”.
تقدمت “القناة 12” بطعن إلى المحكمة تطالب فيه بالسماح بنشر قضية تزعج مكتب رئيس الوزراء وتحظى باهتمام عام كبير، ويأتي الالتماس على خلفية منشورات تفيد بوجود توتر بين المستويين السياسي والأمني بشأن تسريب سلسلة من الوثائق الأمنية. دون الكشف عن اسم المشتبه به.
سمحت المحكمة في 3 أكتوبر بنشر اسم اليعازر فيلدشتاين، مستشار الاتصالات في مكتب نتنياهو، كونه المشتبه به في تسريب الوثائق السرية. وبدأ فيلدشتاين، البالغ من العمر 32 عاما، حياته المهنية كمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ثم كمتحدث باسم دائرة الرقابة الداخلية. بعد وقت قصير بدأ العمل كمتحدث باسم الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، لكنه استقال بعد فترة وجيزة.
وقبل نحو عام، بعد ثلاثة أسابيع من 7 أكتوبر 2023، بدأ العمل في مكتب رئيس الوزراء – في البداية كناطق باسم المدير العام للمكتب يوسي شالي، لكنه عمليا تناول مجموعة متنوعة من القضايا وكان هدفه الدخول في مناقشات سرية واستقبال مواد حساسة، كما أنه حاول اجتياز التصنيف الأمني وفشل، ولكن مع ذلك كان يتعرض للمواد السرية.
ووفق ما سمحت المحكمة الإسرائيلية بنشره، يدور الاشتباه حول قيام موظف بتقديم “مساعدة للعدو في أثناء الحرب”، كما أن المحققين منعوه حتى اللحظة من الالتقاء بمحاميه للحفاظ على سرية التحقيق.
وقالت المحكمة في مدينة ريشون لتسيون إن اليعازر فيلدشتاين اعتقل مع ثلاثة أشخاص آخرين، بينهم أعضاء في أجهزة أمنية.
ويشار إلى أن المحكمة منعت نشر أسماء المعتقلين الآخرين بالقضية خشية التشويش على التحقيق، الذي يقوده جهاز الأمن العام (الشاباك)، تحت إمرة المدعي العام الإسرائيلي والمستشارة القانونية للحكومة.
ودفعت القضية بالمعارضة إلى التساؤل عن إمكانية تورط نتنياهو في التسريبات، وهو ما نفاه مكتب رئيس الوزراء. ويتهم معارضون نتنياهو بتعطيل مفاوضات الهدنة وإطالة أمد الحرب إرضاء لشركائه من اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي.