أطلقت جهات حكومية وأهلية حملة تستمر لمدة 16 يوماً في المغرب، تحت شعار “الأسرة اللي من العنف خالية، لمجتمع سليم بانية”، وهدفها الحد من العنف ضد النساء في ظل ارتفاع ملحوظ للجرائم، ومخاوف حقوقية من تفاقمها.
وتراهن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على النسخة الثانية والعشرين من الحملة الوطنية التي تسعى إلى “تعزيز بيئة أسرية خالية من العنف، ومبنية على قيم الحوار والتربية السليمة، دعماً لتنشئة اجتماعية ترسخ قيم المساواة وتنبذ التمييز”.
وتتخلل الحملة التي تمتد من 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، إلى 10 ديسمبر/ كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أنشطة وفعاليات متنوعة، تشمل ندوات وتوعية على المستويين الوطني والجهوي، بمشاركة واسعة من القطاعات الحكومية، وجمعيات المجتمع المدني، إضافة إلى جامعات ومنظمات دولية.
وبالتوازي مع الحملة الحكومية، أعلنت “الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب” (غير حكومية)، إطلاق حملة تحت شعار “صفر تسامح مع العنف ضد النساء والفتيات”. كما أطلقت جمعية “التحدي للمساواة والمواطنة” حملة أخرى تحت شعار “فلنتحد جميعاً لوضع حد لتعنيف النساء والفتيات”، مؤكدة ضرورة التحرك العاجل لمواجهة تصاعد العنف ضد النساء، سواء كان جسدياً أم رقمياً، وتحقيق تقدم حقيقي في مجال حقوق المرأة.
ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على بدء العمل بأول قانون في تاريخ المغرب لمكافحة العنف ضد المرأة، والصادر في 12 سبتمبر/ أيلول 2018، فإن تطبيقه على أرض الواقع ما زال يواجه صعوبات مختلفة، ولا يزال القانون يثير جدلاً واسعاً بين الذين يعدونه قانوناً “ثورياً” ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها، ومن يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
تقول رئيسة جمعية “التحدي للمساواة والمواطنة”، بشرى عبده، إن “آفة العنف ضد النساء استفحلت خلال السنوات الأخيرة، خاصة العنف الرقمي، وإن الأرقام المرصودة مقلقة. اخترنا في حملتنا الجديدة تسليط الضوء على مخاطر استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي تجاه مختلف قضايا المرأة، وفي مقدمتها ارتفاع نسب العنف بأشكاله المتعددة، والعنف الرقمي الممارس ضد المرأة والفتيات، وكذا محدودية التدابير الوقائية والحمائية والزجرية، وضعف نجاعة السياسات العمومية الموجهة للمرأة، ومصاعب وعراقيل ولوج النساء إلى سبل الانتصاف القضائي، والعدالة بشكل عام”.
وتنتقد الحقوقية المغربية قانون محاربة العنف، مشيرة إلى غياب تعديلات جوهرية تضمن حقوق النساء، كما تعرب عن قلقها إزاء مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي يغيب مقاربة النوع الاجتماعي، ويشكل عائقاً أمام ولوج النساء للعدالة، مؤكدة أهمية التعجيل بإصلاح مدونة الأسرة، وضمان ترجمة التشريعات الحالية والمقبلة لتوفير حماية فعلية للنساء بما يتماشى مع الالتزامات الدستورية والدولية للمغرب، فضلاً عن توفير حماية أكثر صرامة للناجيات.
وأعلنت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، في وقت سابق، عزم الوزارة “إطلاق مسار مراجعة لقانون محاربة العنف ضد النساء بالتشاور مع الفاعلين المعنيين لتجاوز الصعوبات التي أظهرها تطبيقه، واتخاذ ما يلزم من متطلبات لوجستية وبشرية ومالية وتنظيمية لتنفيذه، مع الاستعانة بالاجتهاد القضائي الذي يعد مؤسساً للقاعدة القانونية، وأحد أهم مصادر التشريع”.
بدورها، تعتقد الباحثة المغربية شريفة لموير أنه آن الأوان لتبني مقاربة جذرية في ما يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، خاصة أن النسب لم تشهد تغيراً حقيقياً منذ إقرار القانون. وتوضح لـ”العربي الجديد”، أنه “لا يمكن إنكار أن الترسانة القانونية المغربية عرفت تطوراً هاماً مع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي يعتبر إطاراً قانونياً شاملاً يعنى بمحاربة العنف ضد المرأة بكل أشكاله، غير أن تطور القوانين وحده غير كاف، فمحاربة العنف ضد النساء يجب أن تكرس كثقافة وممارسة داخل المجتمع، علماً أن العقليات والقيم لها تأثير كبير في انتشار العنف، ما يعرقل كل محاولات محاربة تلك الظاهرة”.
وبحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، والصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإن “العنف المبني على النوع الاجتماعي يمس المرأة في جميع المجالات، وأن 52.1% من النساء يعانين العنف المنزلي، و15.4% يواجهن العنف في فضاء العمل، و18.9% يتعرضن للعنف في فضاء الدراسة، و12.6% يواجهن العنف في الفضاء العمومي، ما يؤكد أن ظاهرة العنف ضد النساء عابرة لكل الفضاءات”.