يشهد العراق تحولاً كبيراً في مشهده المالي مع تطبيق نظام خدمات الدفع الإلكتروني للأموال رقم (2) لسنة 2024، ما يفتح الطريق نحو مستقبل يتسم بالمرونة والابتكار في قطاعه المالي.
وبحسب تقرير نشره موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، لا يقتصر هذا النظام على مواءمة البنية التحتية المالية للعراق مع المعايير العالمية فحسب، بل يمثل أيضاً خطوة محورية نحو تقليص اعتماد البلاد على النقود، وتعزيز الشمول المالي، وتحسين الشفافية الاقتصادية.
وفقاً للتقرير، أعطى البنك المركزي العراقي الأولوية للمدفوعات الرقمية كجزء أساسي من استراتيجية العراق الاقتصادية. وبدعم من تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، يهدف هذا النظام إلى توسيع نطاق المعاملات الرقمية لتشمل المناطق الريفية، مع ضمان الوصول إلى مختلف القطاعات وجسر الفجوة بين القطاعين العام والخاص.
كما يعد هذا التحول نحو المدفوعات الرقمية مصدراً للعديد من الفوائد الاقتصادية، مثل تحسين الكفاءة التشغيلية، وزيادة وضوح البيانات، وتعزيز الأمان المالي في البلاد.
وأشار رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى أن حجم المعاملات عبر أنظمة المدفوعات الرقمية شهد زيادة كبيرة، حيث وصل إجمالي المعاملات إلى 7.6 تريليون دينار عراقي(5.5 مليار دولار) في آخر تحديث، مقارنة بـ 2.6 تريليون في يناير 2023.
من جهته، أوضح محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أن العراق يمتلك الآن البنية التحتية اللازمة للمدفوعات الإلكترونية والخدمات المالية، مع توقعات بوصول الأنظمة المصرفية الرقمية قريباً. وسيسهم هذا التحول في تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، وتقليص الفساد والاحتيال، وتوفير بيانات قيمة حول أنماط المعاملات، بالإضافة إلى ضمان الامتثال وتعزيز آليات الرقابة.
وأكد التقرير أن نظام خدمات الدفع الإلكتروني للأموال يحفز الشركات على تبني أدوات المدفوعات الرقمية مثل أنظمة نقاط البيع، والمحافظ الإلكترونية، وبوابات الإنترنت، مما يعزز التحول الرقمي في العراق.
ووصف الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أوكي لوتسما، النظام بأنه أساس حيوي لمرونة الاقتصاد العراقي وشموليته وشفافيته. وأكد أنه «ليس مجرد قفزة تقنية إلى الأمام؛ بل هو تحول أساسي سيمكن كل عراقي من المشاركة الكاملة في الاقتصاد والمساهمة في مستقبل أكثر استقراراً وابتكاراً».
وفقاً للتقرير، تتجاوز آثار هذا النظام مجرد الامتثال التنظيمي، حيث يقدم العديد من الفوائد الاقتصادية الرئيسية للعراق:
تعزيز الحوكمة المالية: من خلال تقليص الاعتماد على النقود، يقلل العراق من مخاطر غسل الأموال والفساد، ويؤسس لسلسلة من المعاملات الشفافة التي تعزز المساءلة في القطاعين العام والخاص.
زيادة المرونة الاقتصادية وجذب الاستثمارات: من خلال جهود التحديث، يصبح العراق سوقاً أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، مما يفتح أبواب التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية العالمية.
دعم المشاريع الصغيرة والابتكار: تقلل الأنظمة الخالية من النقد من الحواجز التشغيلية للشركات الصغيرة، مما يسهل ريادة الأعمال، ويسهم في ازدهار المواهب العراقية.
أفاد التقرير أن التحول نحو المدفوعات الرقمية يمثل تحولاً ثقافياً عميقاً للعراق، يشمل تغييراً ليس فقط على المستوى التقني، بل أيضاً في سلوك الجمهور وثقته. وأضاف أن نجاح هذا التحول في العراق يعتمد على القيادة الواضحة، والإطارات التنظيمية القوية، والتعاون الفعّال بين الشركات والمستهلكين والحكومة.
ومع تقدم العراق نحو اقتصاد رقمي، أكد التقرير أن الجهود ستكون حاسمة في تأسيس اقتصاد شامل وشفاف ومرن. وإذا استغل العراق هذه الفرصة بشكل كامل، فقد يصبح نموذجاً يحتذى به للدول الأخرى، مما يوضح كيف يمكن للسياسات المدروسة والتعاون المتكامل تسريع التحول إلى العصر الرقمي وفتح آفاق كبيرة للفرص في المستقبل.