تدخل السوق السورية مرحلة اقتصادية استثنائية غير مسبوقة، حيث شهدت انخفاضًا متسارعاً في سعر صرف الدولار، الأمر الذي يعكس تحولات وتغيرات هيكلية في المشهد الاقتصادي السوري.
وبدأت معالم هذا التحول في الثامن من كانون الأول 2024 (ليلة سقوط النظام السوري)، وهو التاريخ الذي اعتبره المراقبون نقطة فارقة في تاريخ سوريا المعاصر.
فقد ارتفعت قيمة الليرة بشكل ملحوظ في مختلف المناطق السورية، حيث سجلت في حلب ارتفاعًا مذهلًا من حوالي 20 ألف ليرة للدولار الواحد إلى 10 آلاف ليرة سورية في أقل من أسبوع.
ووفقًا للمصادر المتطابقة، استقر سعر الصرف في دمشق بين 11,500 إلى 12,500 ليرة سورية للدولار الواحد. بينما تراوحت الأسعار في المنطقة الشرقية بين 8,500 إلى 9,500 ليرة سورية. الأمر الذي يعكس حالة من عدم الاستقرار وتدخلات المضاربين في السوق. حسب خبراء ومحللين اقتصاديين.
واليوم، حدّد مصرف سورية المركزي سعر صرف العملات الأجنبية، في أول نشرة رسمية صادرة عنه، حيث تراوح سعر صرف الدولار بين 12500 ليرة سورية للشراء، و12625 ليرة سورية للمبيع، في حين تراوح سعر صرف اليورو بين 13148.23 ليرة سورية للشراء، و13279.71 ليرة سورية للمبيع، والليرة التركية بين 357.56 ليرة سورية للشراء، و361.14 ليرة سورية للمبيع.
ورأى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري في حديث صحفي: “أن هذه التغيرات تأتي نتيجة تراكمات معقدة. فخلال السنوات الماضية، كانت المناطق السورية تتعامل بعملات مختلفة: بالليرة التركية والدولار، مما خلق حالة من التشرذم المالي، ومع توحد المناطق وتوجه الأهالي للمناطق المحررة، ارتفعت الحاجة والطلب على الليرة السورية”.
وأضاف: “في فترة حكم النظام السابق كان يلجأ إلى التمويل بالعجز وإلى طبع عملة نقدية دون أصول أو وجود إنتاج يقابلها، وبالتالي هذه الفترة التي هي فترة عدم استقرار فمن الطبيعي أن يعمل التجار على استغلال المدنيين والتلاعب بسعر الصرف، لكن الفترة المقبلة ستشهد تحسنا ملحوظا لليرة السورية مقابل الدولار”.
وحذرت المصادر المصرفية من محاولات تجار العملات للتلاعب بالسوق. مشيرين إلى أن العملة السورية المتداولة قد تكون مطبوعة دون رصيد حقيقي وهنا يكمن الخطر الأكبر. حيث يسعى هؤلاء التجار لاستغلال حالة عدم الاستقرار لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين. وفق تعبيرهم.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لمس السكان بعض الارتياح. فقد انخفضت أسعار الخضراوات والمواد الغذائية، مما خفف ولو مؤقتًا الضغط عن كاهل المواطنين المنهكين اقتصاديًا.
وفي حماة، تحدث عدد من أبناء المدينة عن تحسن طفيف طرأ على أسعار بعض المواد الغذائية مثل السكر الذي وصل سعره إلى حدود 8800 ليرة سورية للكلغ الواحد، والرز إلى حدود الـ 10 آلاف ليرة سورية. إضافة إلى الزيت والبرغل وبعض الخضروات الأخرى مثل البندورة.
وفي دمشق، وللمرة الأولى يكسر سكان العاصمة حاجز الخوف ويتعاملون بالدولار علنًا وبثقة غير مسبوقة. خاصة وأن المشهد الجديد يبدو مختلفًا تمامًا عما اعتادوا عليه سابقًا، حيث تتحول المحلات لساحة معلنة للتعامل بالدولار دون وجل أو تردد.
ولم يعد التعامل بالدولار جريمة تستوجب المساءلة والملاحقة، بل أصبح ممارسة اقتصادية طبيعية. وتجسدت هذه التحولات بشكل جلي عندما بدأت المحلات بوضع أسعار منتجاتها. خاصة المهربة منها مباشرة بالدولار. معلنة استعدادها للتعامل بهذه العملة التي كانت محظورة تحت سلطة نظام بشار الأسد، وفق مراقبين.
ويعكس هذا التغيير تحولًا عميقًا في المشهد الاقتصادي والاجتماعي السوري. حيث يستعيد المواطنون جزءًا من حريتهم المصادرة في التعامل المالي.
وأكد عدد من المحللين الاقتصاديين على أن سوريا تمر بمنعطف اقتصادي دقيق. حيث تتشابك فيه العوامل السياسية والمالية بطريقة معقدة. في حين أن التحدي الأكبر سيكون في كيفية بناء اقتصاد مستقر، يحمي المواطن من تقلبات السوق ومضاربات التجار، حسب تعبيرهم.