محمد يحيى البقاعي، شاعرٌ سوري حمل إرث الشعر العربي الأصيل وجسّده بأسلوب حداثي يعكس هموم الإنسان المعاصر وأحلامه. يتنقل بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية، حيث قدّم إسهامات شعرية بارزة جعلته أحد الأصوات المميزة في الساحة الثقافية العربية.
مسيرة أدبية غنية
يشتهر البقاعي بحضوره الفاعل في المشهد الثقافي من خلال انتمائه إلى جمعية حماية اللغة العربية في الإمارات وعضويته في دارة الشعراء، حيث يسهم بشكلٍ مستمر في تعزيز دور الشعر في الثقافة العربية.
أصدر ديوانه الشعري الأول بعنوان ملامح الأرق، وهو عملٌ يعكس ببراعة رؤية الشاعر الشعرية التي تمتزج فيها الوجدان بالتأمل. كما تُوّجت مسيرته بعدة جوائز وتكريمات، من أبرزها جائزة حبيب الزيودي التي أكدت تميزه، وتكريمه من وزارة الثقافة إثر ترشحه لجائزة صوت الجيل الثقافية، مما رسّخ مكانته في الساحة الشعرية العربية.
ملامح شعرية مميزة
شعر محمد يحيى البقاعي يتسم بسمات خاصة جعلته قريبًا من القارئ ومتميزًا بين أقرانه.
1. النزعة التأملية والوجدانية
يُعتبر التأمل والوجدان من أبرز سمات شعر البقاعي. فهو يبحر في أعماق الروح الإنسانية، مستحضرًا هواجسها وأحلامها بلغة عذبة. تتناول قصائده قضايا الوجود والحنين والاغتراب، حيث يعبر عن تلك المشاعر بحساسية وصدق.
2. اللغة الرشيقة والبناء الموسيقي
يمتاز شعر البقاعي بلغة شعرية راقية تجمع بين البساطة والعمق، مما يجعل قصائده قريبة من القارئ دون أن تفقد رونقها الفني. كما يتقن استخدام الموسيقى الشعرية بأسلوب متناغم يخدم الفكرة والموضوع، سواء كان ذلك من خلال الأوزان الكلاسيكية أو الإيقاع الداخلي في النصوص الحرة.
3. المزج بين الأصالة والحداثة
ينتمي البقاعي إلى مدرسة شعرية تجمع بين التمسك بجماليات التراث العربي وبين الانفتاح على الأساليب الحديثة. قصائده تعكس هذا التوازن، حيث تنبض بروحٍ معاصرة دون أن تفقد صلتها بجذور الشعر العربي الأصيل.
4. السردية الشعرية
السردية حاضرة بقوة في نصوص البقاعي، حيث يجيد تحويل القصيدة إلى حكاية صغيرة تتوالى فيها الصور والمشاهد، مما يجعلها أشبه بلوحة فنية. هذه السردية تمنح شعره بُعدًا دراميًا يضيف إلى جاذبيته.
موضوعات شعره
يركز البقاعي في شعره على قضايا إنسانية كبرى مثل الحنين، الغربة، والأمل، مع تناول موضوعات اجتماعية وثقافية تمس القارئ العربي. قصائده تسعى إلى البحث عن الحقيقة وسط تعقيدات الحياة، مما يجعلها ملهمة ومؤثرة في آنٍ واحد.
مكانته في الساحة الشعرية
حظي البقاعي بتقدير النقاد والجمهور على حدٍ سواء، بفضل لغته المتفردة وحسه الإنساني العالي. مشاركاته في الفعاليات الثقافية العربية سلطت الضوء على موهبته، وعززت من مكانته كشاعرٍ قادر على الجمع بين الإبداع الفني والانخراط في هموم الإنسان العربي.
من قصائده:
لشيءٍ لا يجيءُ
يا مَهدَ أمسي
وحُلْمًا زارَ في السَّحَرِ
أشكو غيابَكَ حتى ضاقَ بي عُمُرِي
سَكبتُ شوقي بِصَمتٍ
في مواجِعِهِ
حتى غَدا الشَّوقُ نارًا أحرَقَ الجُدُرِ
أمضي وأُغفِلُ
عن طَيفٍ يُلاحقُني
كأنَّهُ الطَّيفُ لا يَرضى بِلا أثَرِ
يا مَن كتَبتُكَ شِعرًا
في دفاتِرِنا
حتى نَفَدتُ حروفَ الحبِّ يا قَدَرِي
هَل تَذكُرُ العَهدَ
أم أنّ الزَّمانَ مَضى؟
وأصبَحَ الوَعدُ دَمعًا غاصَ في البَحَرِ
إن كنتَ تَعلَمُ
أنَّ الشَّوقَ أرهَقَني
فكُن قريبًا، فقَلبِي ضاقَ بالصَّبَرِ
يا ساكنَ الرُّوحِ
هل ألقاكَ ثانيةً؟
أم أنّ دربَ اللّقا آتٍ بِلا خَبَرِ
منْ الغريب؟
أنا الغريبُ
وفي أفقي تساؤلُهُ
هل ينقضي الشكُّ أم ألقى به وَهَنِي؟
أمشي بطيفي
على دربٍ يراوغُني
كأنني لُعبةٌ في قبضةِ الزَّمَنِ
يا ليلُ،
هل أنتَ حلمٌ يستبيحُ دمي؟
أم أنَّني
وهمٌ في صورةِ الوَثَنِ؟
جاوزتَ عنّي
بعينٍ لا تُبِينُ مدى
هذا السُّؤالِ الذي يهوي بلا سكنِ
كم قلتُ:
هذي الوجود الصعبُ يخدعنا
ويزرعُ الحزنَ
بينَ القلبِ والكفنِ
فالعقلُ نارٌ،
وفي إحراقهِ سكنٌ
والروحُ ماءٌ، يفيضُ الحُبُّ في المننِ
كلُّ الحقيقةِ
قلبٌ لو يُطَهِّرهُ حبٌّ يُضيءُ،
فلا شكوى ولا فتنِ
والعقلُ مرآةُ هذا الكونِ إن صفحتْ
رأيتَ نفسكَ، في روحٍ بلا وَهَنِ
فاذهبْ إلى الحُبِّ،
لا تخشَ الحياةَ إذا
كانَ السُّؤالُ طريقًا نحوَ مؤتمنِ
خاتمة
محمد يحيى البقاعي هو شاعرٌ يحمل إرث الشعر العربي في قلبه، ويقدمه بحساسية معاصرة قادرة على لمس وجدان القارئ. ملامحه الشعرية التي تجمع بين الوجدان، التأمل، والسردية جعلت منه صوتًا متميزًا في الساحة الأدبية. شعره ليس مجرد كلمات مصفوفة، بل رحلةٌ في أعماق النفس والعالم، تؤكد أن الكلمة لا تزال قادرة على تغيير الحياة وإثرائها.