أعرب القس منذر إسحاق عن مخاوفه من أن تؤدي الإبادة الإسرائيلية بقطاع غزة إلى إنهاء الوجود المسيحي فيه، مبينا أن السياسات الإسرائيلية بالضفة الغربية والقدس المحتلة تستهدف إذابة الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته.
وقال القس إسحاق راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور بالضفة الغربية للأناضول إن مدينة بيت لحم تعيش أجواءً حزينة للعام الثاني، حيث تغيب زينة الميلاد والشجرة الشهيرة، في تعبير عن “الحزن والغضب” لما يجري بغزة.
وأضاف: “لم نكن نتخيل أن نحيي عيد الميلاد وسط استمرار الإبادة بغزة (منذ أكثر من 14 شهرا)، في ظل صمت دولي وتواطؤ العالم”.
وفي مثل هذا الوقت من كل عام، كانت شوارع وأزقة وكنائس بيت لحم تتزين بأجواء الميلاد البهيجة، حيث تُنصب بساحة “كنيسة المهد” الشهيرة إحدى أجمل أشجار الميلاد بالعالم، وسط حركة سياحية نشطة تضفي حياةً على المدينة.
لكن هذا العام، يقول الفلسطينيون إن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بغزة والضفة الغربية جعلت حياتهم مليئة بالحزن والأسى، وسرقت فرحة الميلاد.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، ستقتصر طقوس الاحتفال بالمناسبة على الشعائر الدينية والتزاور بين العائلات، تعبيراً عن الحزن والغضب الذي يخيّم على أجواء الأعياد.
لا احتفالات وأكد القس أنه “لا يمكن الاحتفال بشكل طبيعي بينما يتعرض أهلنا بغزة للإبادة”، مبينا أن بيت لحم اليوم بلا شجرة ميلاد أو زينة بالشوارع، تعبيراً عن الحزن والغضب الذي يخيّم على المدينة.
وأوضح أن الصلوات والإيمان مستمران، مشيرا إلى أن الصلاة شكل من أشكال المقاومة بمواجهة إسرائيل التي تسعى “لإذابة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته”.
وأكد أن المسيحيين جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وأن الحرب التي تشنها إسرائيل تستهدف الجميع دون استثناء.
وأوضح أن “المسيحيين بغزة تعرضوا للاستهداف، حيث قُصفت الكنائس والمدارس والجامعات، وفقدنا الكثير منهم”.
وأضاف: “ما زال المسيحيون بالقطاع يتعرضون للاستهداف، ونأمل انتهاء الحرب لإنقاذ ما تبقى”.
وأشار القس إلى أن أوضاع المسيحيين لا تختلف عن باقي الفلسطينيين، حيث يواجه الجميع تهديدات التهجير في ظل الإبادة.
وقال: “الحواجز وهجمات المستوطنين على المدنيين تستهدف الكل دون تمييز، و يجب إنهاء الحرب للحفاظ على الوجود المسيحي بالأرض”.
مدينة حزينة والإبادة المستمرة ألقت بظلالها الثقيلة على كنيسة المهد، التي يُعتقد أنها شُيدت فوق المغارة التي وُلد فيها السيد عيسى المسيح.
فالكنيسة التي كانت عادةً تعج بالحجاج والسياح من مختلف أنحاء العالم، تبدو اليوم فارغة، تعكس حالة الحزن والصمت التي تخيم على المدينة بأكملها.
ووصف إسحاق أجواء الحزن التي تخيم على بيت لحم، عاصمة الميلاد، قائلا: “بيت لحم حزينة هذا العام لما يمر به أهلنا في غزة”.
وأشار إلى أنه من المفترض أن تستقبل بيت لحم الحجاج، لكن أصبحت شبه مهجورة بسبب الإبادة، ما أدى إلى ركود اقتصادي أيضا.
وأوضح أن “بيت لحم والقدس معزولتان تماما لأول مرة، ومع استمرار إغلاق الحواجز، تبدو بيت لحم أشبه بقطاع غزة المحاصر”.
وذكر أن الواقع يظهر مخططا ممنهجا لعزل المحافظات ودفع الشباب نحو الهجرة، في إطار سياسات تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها.
تفريغ القدس من المسلم والمسيحي إسحاق أوضح أن القدس تواجه “خطراً ممنهجاً يستهدف تفريغها من الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين”، مشيراً إلى الاعتداءات المتكررة على المقدسات والبصق على رجال الدين، إضافة إلى الصفقات المشبوهة للسيطرة على عقارات البلدة القديمة.
وأكد أن المشكلة ليست فقط في الجماعات المتطرفة، بل في النظام الذي يحميها والحكومة الإسرائيلية التي توفر لها الغطاء السياسي في مهاجمة الكنيسة أو المسجد دون حساب.
مسيحيو غزة وأوضح أن معظم المسيحيين في غزة يتواجدون حاليا بكنيستي “الأرثوذكسية” و”الكاثوليكية” وسط وشمال القطاع، ويعيشون تحت حصار مع نقص شديد في الغذاء والخدمات الأساسية.
وأشار إلى أن إسرائيل استهدفت ببداية الحرب الكنيسة الأرثوذكسية، ما أدى إلى مقتل 14 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى وفاة العديد بسبب نقص الأدوية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات.
وأضاف أن حوالي 600 مسيحي ما زالوا بغزة، حيث تمكن البعض من الخروج عبر معبر رفح (جنوب)، لكن الأغلبية تبقى محاصرة وتعتمد على الكنائس لتوفير ما أمكن من مساعدات.
وحذر إسحاق من أن الحرب قد تؤدي إلى إنهاء الوجود المسيحي بغزة كون البيوت تهدمت بالكامل، متسائلا: “ما الذي ينتظرهم بعد الحرب؟ نخشى أن يكون كابوس ينذر بإنهاء الحضور المسيحي في غزة”.
رسالة الميلاد وفي ظل استمرار الإبادة، أكد القس أن “رسالة الميلاد لهذا العام هي رسالة الصمود وتضامن مشترك بين أفراد الشعب الواحد”.
وقال: “إيماننا يجب أن يكون مصدر قوة ورجاء بمواجهة المخططات التي تسعى لتهجيرنا والتضييق علينا، بينما تستمر الإبادة في غزة”.
وأضاف: “أمام تواطؤ قادة العالم وغياب الإرادة لوقف الحرب، لا خيار لنا سوى التمسك بالإيمان بالله ونتمسك ونتضامن معاً”.
وأشار إلى أن “ميلاد اليسوع رسالة نجاة وسلام، فهو وُلد تحت الاحتلال الروماني، ونجا ليحمل الخلاص والفرح والسلام”.