فهم مغالطة “ماذا عن؟” وتأثيرها على الحوار
في عالم التواصل اليوم، سواء في المناقشات السياسية أو الاجتماعية أو حتى الحوار اليومي، نجد ظاهرة شائعة تُعرف بمغالطة “ماذا عن؟”، أو “Whataboutism” بالإنجليزية. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها انتشرت بشكل واسع في الأوساط الحديثة. فما هي هذه المغالطة؟ وكيف تؤثر على جودة الحوار؟
ما هي مغالطة “ماذا عن؟”؟
تُعتبر مغالطة “ماذا عن؟” أحد التكتيكات الجدلية التي تهدف إلى رد الانتباه عن موضوع النقاش الأساسي بتوجيهه نحو موضوع آخر. في هذا النوع من النقاش، عند مواجهة نقطة معينة أو انتقاد، يقوم الفرد بتحويل الحوار من خلال القول: “ماذا عن…؟” متجاهلاً النقطة الأساسية التي يجب معالجتها. غالباً ما يستخدم هذا الأسلوب كطريقة لتفادي الانتقاد أو لتحويل الانتباه وإحداث تشتت في الحوار.
أمثلة على مغالطة “ماذا عن؟”
يمكننا مشاهدة هذه المغالطة في عدة سيناريوهات:
- عندما يتم انتقاد سياسة حكومية معيّنة، قد يرد أحدهم قائلاً: “ماذا عن الحكومة السابقة التي فعلت كذا وكذا؟”
- في المناقشات البيئية، عند الحديث عن ضرورة الحد من استخدام البلاستيك، قد يرد شخص آخر: “ماذا عن الشركات الكبرى التي تلوث البيئة؟”
- على المستوى الشخصي، قد يقول أحدهم: “لماذا لم تقم بالأعمال المنزلية؟” فينال الرد: “وماذا عنك؟ أنت لم تقم بغسل الصحون الأسبوع الماضي.”
تأثيرات “ماذا عن؟” على الحوار
إضعاف النقاش
تؤدي مغالطة “ماذا عن؟” إلى تحويل مسار النقاش بعيداً عن القضايا الجوهرية، مما يقلل من عمق الحوار وقدرته على الوصول إلى حلول فعلية. بدلاً من التركيز على معالجة المشكلة المطروحة، يصبح النقاش متاهة من المواضيع المتداخلة.
تعزيز الانقسامات
يمكن أن يسهم استخدام هذه المغالطة في تعميق الانقسامات بين الأطراف المختلفة، حيث يشعر كل طرف أن الآخر يحاول التهرب من المسؤولية أو الالتفات عن المشكلة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلق حواجز نفسية تعيق التفاهم المتبادل.
تشتيت الانتباه
تصبح المناقشات أحياناً ساحة معركة من الأسئلة “وماذا عن؟”، مما يمنع أي تقدم حقيقي أو خطة عمل واضحة. وهذا التشتيت يمكن أن يستنزف الجهود المبذولة في النقاش ويمنع الوصول إلى تفاهم مشترك.
كيف نتجنب “ماذا عن؟”
لتجنب الوقوع في فخ مغالطة “ماذا عن؟”، من المهم أن نلتزم باتجاه واضح ومحدد في النقاش. يمكننا الالتزام بالنقاط المطروحة ومعالجتها بصدق، بدلاً من الانجراف مع الردود المشتتة. كما يمكن تعزيز مهارات الاستماع الجيد والاعتراف بوجهات النظر المختلفة لتعزيز حوار بناء ومثمر.
في خاتمة المطاف، إن إدراكنا لهذه المغالطة وتأثيرها يساعدنا في بناء تفاعل أكثر مصداقية وإنتاجية في محادثاتنا اليومية. من خلال فهم أفضل لأدوات الحوار ومغزى الحوار نفسه، نستطيع تحقيق تفاهم أعمق وأكثر واقعية.