رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | إيران تلوح بشروطها: لا عودة للمفاوضات قبل دفع الثمن الأميركي

شارك

تتصاعد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وتوجه إيران رسائل سياسية واضحة ومشفرة تؤكد أن العودة إلى المفاوضات ستكون مشرطة بشروط صارمة. فإيران ترى أن استئناف الحوار لن يكون كما كان سابقًا، وأن التفاوض مع واشنطن يتطلب تقديم ثمن سياسي ومادي كبير، خاصة في ظل استمرار العقوبات الأمريكية التي تزداد تصلبًا وتغلق الأفق أمام أي تفاوض فوري.

وفي هذا السياق، يظهر أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تشير إلى تحول جذري في قواعد الاشتباك الدبلوماسي بعد الحرب. إذ أكد أن أي مفاوضات جديدة لن تبدأ إلا بعد تعويضات مالية عن الأضرار الناتجة عن الهجمات الأمريكية، بالإضافة إلى ضمانات أمنية تمنع تكرار الاعتداءات، معبرًا عن أن واشنطن يجب أن تفتح صفحة جديدة تمامًا، لتعكس تغير الواقع الاستراتيجي بعد الحرب الأخيرة.

طهران ترفض التفاوض قبل الحصول على ضمانات

في حديث لصحيفة فايننشال تايمز، كشف عراقجي عن تبادل رسائل مع المبعوث الأمريكي، لكنه أكد أن أي حوار مقبل لن يبدأ إلا بعد تلبية مطالب البناء على الثقة، والتي تتضمن تعويضات عن الأضرار، وضمانات بعدم تكرار الهجمات، خاصة بعد انخفاض ثقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي وصفها بأنها فقدت نزاهتها وتعرضت لعملية تسريب للمعلومات الحساسة عن منشآتها النووية. إذ ترى إيران أن الوكالة لم تؤدِ وظيفتها بشكل مستقل، وتتهمها بالتقصير والتواطؤ مع الغرب.

تصعيد أمريكي وتحديات داخلية

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شبكة الشحن النفطي الإيراني المرتبطة بنتن نجل المستشار الأمني المقرب من خامنئي، شملت عشرات الكيانات التي تنقل النفط من إيران وروسيا، وتحقق إيرادات ضخمة، الأمر الذي يزيد من تعنت إيران ويؤكد تمسكها ببرنامجها النووي، واضحًا باستمرار تواجد كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجات عالية، وهو ما يعكس غموضًا استراتيجيًا بشأن نواياها النووية، ويهدد استقرار المنطقة بأكملها.

وفي المقابل، يواجه عراقجي رفضًا داخليًا واسعًا لتقديم تنازلات من دون مقابل، خاصة بعد الهجوم العسكري الأمريكي، حيث لا ترى إيران بدًا من الحصول على ضمانات صارمة بعدم تكرار الاعتداءات، ويذهب بعض المحللين إلى أن عملية التدمير المفترضة للمنشآت النووية لم تحدث كما كان متوقعًا، بل جاءت محاولة غير ناجحة لإضعاف مواقف طهران، التي ترى أن الفشل العسكري الأمريكي والإسرائيلي يجعلها أكثر تمسكًا بمواقفها، وأن مستقبل المفاوضات مرهون بتغير التوازنات على الأرض، مع تبلور سيناريوهات متعددة لمرحلة ما بعد الحرب.

موقف الأوروبيين والخيارات المفتوحة

انتقاد إيران لم يستثنِ أوروبا، حيث وصف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان عزيزى مواقف الأوروبيين بأنها تابعة للولايات المتحدة وإسرائيل، مطالبًا إياهم بتحديد موقف مستقل قبل المشاركة بشكل جدي في أي تفاوض، خاصة بعد تدهور دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي لم تعد تثق إيران في حيادها، واتهمها تسريباتها بنقص النزاهة والولاء لسياسات الغرب.

هل تتجه إيران نحو التصعيد النووي أم التسوية؟

يُطرح الآن سؤال حاسم: هل ستتحول إيران إلى دولة كورية شمالية جديدة، تتمسك بسلاحها النووي وتظل في معزل دولي، أم ستضطر إلى خوض مفاوضات جديدة بشروط مختلفة كليًا؟ يرى بعض المحللين أن مستقبل النووي الإيراني مرتبط بمدى قدرتها على الحفاظ على مخزونها من اليورانيوم المخصب، الذي يتجاوز الحدود المسموح بها، ويؤدي إلى وضع غموض خطير حول نواياها النهائية، حيث تعلن إيران أنها لم تفقد قدراتها النووية، وأن عمليات التخصيب ما زالت قائمة بشكل كبير، رغم الضغوط الدولية.

هل كانت العملية العسكرية فاشلة أم خطوة ضرورية؟

اعتبر الكثير من المراقبين أن الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على المنشآت النووية كان أكبر خطأ استراتيجي، حيث فشل في تدمير القدرات النووية الإيرانية، وأظهر أن طهران ليست سهلة الإضعاف. فإيران تفاجأت بالمحاولة، لكنها ليست منهارة، بل تستعد لتصعيد مواقفها وفرض شروطها على طاولة الحوار. ووفقًا لتحليل بعض الخبراء، فإن التفاوض الآن يجب أن يكون على أساس مصلحة مشتركة، وليس عبر فرض الشروط الأمريكية فقط، لأن الحال لا يسمح بالمزيد من التنازلات من الجانب الإيراني.

هل المستقبل دبلوماسي أم أمني؟

السؤال الأهم هو إن كانت إيران ستعتمد على دبلوماسية ساخنة في الصيف القادم أم ستدخل مرحلة من المواجهة النووية والجس نبض، مع ارتفاع احتمالات إبطاء أي اتفاق أو تأجيل التفاهمات. من الواضح أن إيران تريد أن تفرض شروطها، وأن واشنطن، رغم الضغوط، ستجد نفسها مضطرة للدخول في حوار جديد، لكن بشروط مغايرة تمامًا عما سبق، حيث لا تزال الأوضاع تُخيم على احتمالات التغيير. والكرة الآن في ملعب الرأي العام الإيراني، الذي يرفض التنازل بسهولة، ويطالب بردود فعل حاسمة تجنب كارثة نووية قد تطال المنطقة برمتها.

وفي النهاية، لا تبشر الوضعية الحالية بإنهاء الأزمة قريبًا، مع استمرار التوترات العسكرية والدبلوماسية، ورفض إيران التراجع، وتحفظات الغرب، مما يصعب التوصل لاتفاق حقيقي قبل أن تتضح ملامح المرحلة القادمة من المواجهة الشاملة، التي قد تكون إما صيفًا دبلوماسيًا ساخنًا أو شتاءً نوويًا داكنًا يهدد مستقبل المنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة