يقف اللبنانيون مجددًا، الاثنين، في ذكرى انفجار مرفأ بيروت الخامسة، حاملين صور أحبائهم، فيما يتوقع أن يعلن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن انتهاء تحقيقاته في القضية، بعد سنوات طويلة من التأجيل والتسويف التي كادت أن تقترب من إطفاء آخر بصيص أمل في الحقيقة والعدالة.
مع انتهاء مراسم إحياء ذكرى الانفجار، يتجه الاهتمام إلى مستقبل مسار العدالة وما إذا كانت خطوات المحاسبة قد بدأت فعلاً، وهل سيكون القرار المتوقع قبل نهاية العام محطة حاسمة في مواجهة الإفلات من العقاب، أم مجرد خطوة في مسرحية طويلة من التلكؤ السياسي والقضائي.
وفي سياق الذكرى، جددت منظمات حقوقية دولية انتقاداتها لمسار التحقيق، معتبرة أن هناك عقبات كبيرة لا تزال تعترض تطور القضية.
مشاهد من قرب إعلان الخاتمة
كشف المحلل القضائي يوسف دياب أن القاضي البيطار يقترب من إتمام التحقيق بعد سلسلة طويلة من جلسات الاستجواب، خاصة في الأشهر الأربعة الأخيرة، مشيرًا إلى أن التحقيقات أصبحت في مراحلها النهائية، وتُهيأ لإحالة الملف إلى النيابة العامة التمييزية بعد استكمال الإجراءات، بما فيها الردود على استنابات قضائية أرسلت إلى عدد من الدول، من بينها فرنسا.
وأوضح دياب أن الردود الدولية ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان التحقيق سيُختتم بشكل سريع أم سيتوقف إذا كانت هناك دعاوى مقامة ضده أمام محكمة التمييز، مشددًا على أن الملف بات في مراحل تدق أبواب الإغلاق بعد مرور خمس سنوات على الجريمة، وأن القاضي يدرس الآن محاضر الاستجوابات الأخيرة، بعد اختياره بين إصدار قرار اتهامي قبل نهاية السنة أو التريث لحين صدور قرارات محاكم التمييز.
وأشار إلى أن استئناف التحقيق جاء استجابة لتعهد رئيس الجمهورية الجديد، جوزيف عون، بدفع الملف إلى الأمام وتفكيك العقبات التي كانت تعرقل سيره، مما أدى إلى استئناف التعاون بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي.
جهود حاسمة لكسر الحصار القضائي
تحدثت المحامية سيسيل روكز، شقيقة إحدى ضحايا الانفجار، عن استئناف التحقيقات مطلع فبراير 2025 بعد توقفه نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان في أواخر 2024، مشيرة إلى أن القاضي طارق البيطار اتخذ خطوات مهمة لكسر الحصار القضائي، من خلال تبليغ المعنيين عبر المباشرين المدنيين بعد أن تم رفض التعاون معه سابقًا بناء على قرار من قاضي التحقيق السابق غسان عويدات، الذي أُلغى لاحقًا من قبل القاضي جمال الحجار.
وأكدت أن جميع الأشخاص الذين تم استدعاؤهم حضروا جلسات الاستجواب، عدا غازي زعيتر وغسان عويدات، حيث اعتُبر تغيبهما قانونيًا لعدم التبليغ الصحيح. وتوضح أن التحقيق يسير على ثلاثة مسارات، الأول يتعلق بمصدر وملكية الشحنة من النترات، والثاني مسؤولية المرفأ والسياسيين والأمنيين في تخزينها، أما الثالث فهو أمني وتقني، يدرس ما إذا كان الانفجار عملًا عدائيًا أم إهمالًا.
وأشارت روكز إلى أن القاضي ينتظر ردودًا من ست دول عربية وأوروبية حول أسئلة تتعلق بالمسار الخارجي، وعند وصولها يتوقع أن يصدر قرار الاتهام قبل نهاية 2025. وأكدت أن أهل ضحايا الانفجار لم يفقدوا الأمل في العدالة، وأنهم يصرون على معرفة من دمّر بيروت ومن المسؤول عن مقتل الأبرياء، معتبرين أن القضية ليست قابلة للتجاهل أو التغطية، ويجب أن تكون نقطة فاصلة لإنهاء الإفلات من العقاب.
وجع واستمرارية الغضب لدى الأهالي
في ساحة الشهداء ومحيط المرفأ، تجددت أصوات المطالبة بالحقيقة، حيث خرجت عائلات الضحايا والمتضررين حاملين نعوشًا رمزية وصور من رحلوا، مرددين شعارات تندد بـ”دولة النسيان” و”قضاء التعطيل”.
بعض المشاركِين كتبوا على صدورهم أسماء أبنائهم، وألصقوا على جدران الحداد شهادات حية تعبر عن حجم الأثر الذي خلفه الانفجار في حياة اللبنانيين. وعلى الرغم من مرور خمس سنوات، لا تزال ملامح الغضب واضحة على وجوههم، بل تتصاعد وتيرتها، كأنها لم تتغير منذ لحظة الانفجار.







