بدأت الولايات المتحدة فعلاً في تسريع سحب قواتها من العراق، حيث نقلت جنودها من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا إلى أربيل وإلى دولة عربية مجاورة. هذه الخطوة المفاجئة تأتي قبل نهاية سبتمبر، وهو الموعد النهائي المتفق عليه مع الحكومة العراقية، وتثير تساؤلات عن الأسباب الحقيقية لهذا التغيير، وما إذا كان يعكس إعادة رسم خريطة وجود القوات الأميركية في المنطقة.
كان من المقرر أن تنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق بحلول سبتمبر 2025 وفق اتفاق بين بغداد وواشنطن، لكن مصادر سياسية أكدت أن الأميركيين أخبروا نظراءهم العراقيين بقرار تسريع الانسحاب، ورفضوا الالتزام بالجدول الزمني السابق. يثير هذا القرار تساؤلات حول ما إذا كان رد فعل لضغوط داخلية أميركية أو نتيجة لتطورات إقليمية وأمنية تجعل بقاء القوات الأميركية أكثر خطراً من رحيلها، خاصة مع استمرار المخاوف من تهديدات أمنية في المنطقة.
القلق الأميركي من تصاعد التهديدات الإرهابية
عبّرت السفارة الأميركية في بغداد عن قلقها من توسع أنشطة داعش والقاعدة، وأكدت أن واشنطن ستواصل تعزيز الشراكات الإقليمية لمكافحة الإرهاب. سؤاليْن يثاران هنا: لماذا تسرع الولايات المتحدة في سحب قواتها مع استمرار التهديدات الإرهابية، وهل تعوّل على تحالفات إقليمية أكثر مرونة وأقل تكلفة، أم أنها تعيد توزيع قواتها لمواجهة تحديات أخرى أكثر إلحاحاً في المنطقة؟
رد الحكومة العراقية على التطورات الأمنية
أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية أن خلايا داعش باتت “مشلولة” ولا تشكل خطراً كبيراً، وأن الحدود مؤمنة والجيش يواصل ملاحقة فلول التنظيم. يعكس هذا الموقف ثقة متزايدة بالقوات العراقية، لكنه يثير شكوكاً حول مدى توافق هذا التقييم مع المخاوف الدولية، خاصة أن تقارير دولية تشير إلى استمرار نشاط داعش في مناطق متعددة.
عودة الحشد الشعبي وقانونيته
مع بدء الانسحاب الأميركي، عاد الجدل حول قانون الحشد الشعبي، حيث ترى واشنطن أن تمريره يعزز النفوذ الإيراني ويزيد من احتمالات تصعيد التوترات، فيما تعتبر قوى عراقية عديدة القانون ورقة سيادية تسهم في استقرار الوضع الأمني، وتلعب دور أداة ضغط في الصراع بين إيران والولايات المتحدة على الساحة العراقية. الحكومة العراقية تتجه نحو علاقات أمنية أكثر استقلالية، حيث ستنتقل العلاقات مع الدول الغربية إلى اتفاقات شراكة تأتي بعد خروج التحالف الدولي.
مكانة القوات العراقية بعد الانسحاب الأميركي
قال مستشار رئيس الوزراء حسين علاوي إن القوات المسلحة العراقية قوية، وتعمل بشكل مستقل، وأنها تتعاون مع التحالف الدولي وحلف الناتو على تطوير قدراتها، مع التركيز على مكافحة المخدرات وزيادة جاهزيتها ضد تهديد داعش. رغم وجود جيوب صغيرة للتنظيم، فإن القوات الجوية تواصل ضرب معاقله، ويؤكد المسؤولون أن تنظيم داعش لم يعد يهدد وجودياً كما في السابق، رغم أن تقارير دولية تشير إلى تمدد نشاطه في مناطق أخرى في العالم، خاصة في شمال أفريقيا، وتزايد خطره على المنطقة بشكل عام.
ترى الحكومة العراقية أن الإصلاحات الأمنية تتجه نحو مأسسة أجهزة الأمن المختلفة، وأن قانون الحشد ما زال قيد النقاش في البرلمان. يعكس ذلك رغبة بغداد في تقوية استقلالية قرارها الأمني، مع إقرار بأن التحديات لا تزال قائمة، وأنه يجب التعامل معها بحذر، خاصة في ظل التوازنات الإقليمية والتوترات بين القوى الدولية والأطراف المحلية.
رؤية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تركز على إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والحفاظ على علاقاته الدولية من خلال الدبلوماسية، مع السعي لبناء قوات عسكرية وطنية قوية قادرة على إدارة الملف الأمني، وتأتي هذه الجهود في إطار محاولة لموازنة الانسحاب الأميركي وتعزيز الشراكات الدولية والإقليمية. هذا التوجه يعكس رغبة بغداد في الاعتماد على سيادتها وتحقيق استقرار دائم، رغم وجود مخاوف من فراغ أمني قد يستفيد منه خصومها.







