رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | انسحاب أميركي من العراق.. هل هو إعادة تموضع أم تغير قواعد اللعبة؟

شارك

بدأت الولايات المتحدة بسرعة في سحب قواتها من العراق، حيث نقلت جنودها من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا إلى أربيل ودولة عربية مجاورة. هذه الخطوة المفاجئة تأتي قبل الموعد المحدد رسميًا مع الحكومة العراقية، والذي كان من المفترض أن يكون بحلول نهاية سبتمبر المقبل، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء السرعة المفاجئة وما إذا كانت تعكس إعادة رسم خريطة تواجد القوات الأميركية في المنطقة.

نهاية مهمة التحالف الدولي

كان من المفترض أن تنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق في سبتمبر 2025 بناءً على اتفاق بين بغداد وواشنطن، لكن مصادر سياسية أكدت أن الأميركيين أبلغوا العراقيين بسرعة الانسحاب وعدم الالتزام بالجدول الزمني السابق. يفتح ذلك باب النقاش حول ما إذا كانت هذه الخطوة رد فعل لضغوط داخلية في الولايات المتحدة أو نتيجة لتغيرات إقليمية وأمنية تجعل بقاء القوات الأميركية أكثر خطورة من رحيلها.

مخاوف أميركية من الإرهاب

في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات الانسحاب، أعربت السفارة الأميركية في بغداد عن قلق عميق من توسع نشاط تنظيم داعش والقاعدة، وأكدت أن الولايات المتحدة ستواصل تعزيز الشراكات الإقليمية لمكافحة الإرهاب. يثار سؤال حول سبب تسريع الانسحاب في ظل وجود تهديد إرهابي قائم، ويفهم البعض أن واشنطن تعتمد على تحالفات ثنائية أكثر مرونة وأقل تكلفة من التواجد المباشر على الأرض، أو أن هناك إعادة توزيع للقوات لمواجهة تحديات أمريكية أخرى في المنطقة.

موقف العراق من خطر داعش

رد المتحدث باسم القوات العراقية على المخاوف الأميركية، مؤكدًا أن خلايا تنظيم داعش أصبحت ضعيفة ولا تشكل خطرًا كبيرًا على العراق، وأن الحدود مؤمنة ومنتشرة القوات العراقية لملاحقة فلول التنظيم عبر عمليات أمنية دقيقة. يعكس ذلك ثقة القوات الوطنية بقدرتها، لكن يظل هناك شكوك حول تطابق هذا التقييم مع المخاوف الدولية.

عودة الحشد الشعبي والجدل السياسي

مع بدء انسحاب الأميركيين، عاد مشروع قانون الحشد الشعبي إلى الساحة السياسية، وتعتبر واشنطن أن تمريره يعزز النفوذ الإيراني داخل العراق، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة ويجعلها تتداول فكرة إعادة تقييم التزاماتها الأمنية. في المقابل، تراه قوى عراقية كخطوة سيادية تعزز تماسك الوضع الأمني بعد خروج القوات الدولية، وتحول القانون إلى أداة ضغط بين النفوذ الأميركي والإيراني ضمن الصراع على النفوذ في العراق.

القوات العراقية والتحديات الأمنية

قلل مستشار رئيس الوزراء العراقي من مخاوف ضعف القوات المسلحة، مؤكدًا أنها قوية ولا تزال قادرة على مواجهة التحديات، وهو يشير إلى أن العراق يعمل مع حلفائه لتحسين قدراته العسكرية والاستخباراتية، وأن الغالبية العظمى من تهديدات داعش قد انتهت، رغم وجود جيوب صغيرة لا تزال تحت السيطرة، وأن ضربات جوية تُشن ضدها بشكل متكرر. يبرز ذلك ثقة متزايدة في قدرة القوات العراقية، رغم استمرار وجود مخاوف من تمدد التنظيم دوليًا.

إصلاح القطاع الأمني وتطوير علاقات الشراكة

أوضح علاوي أن العراق يخطط لتحويل علاقاته الأمنية مع الدول المشاركة في التحالف الدولي إلى شراكات ثنائية، بحيث تتفق مع مصالحه، ويشمل ذلك التعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول أخرى مثل فرنسا وكوريا وروسيا والصين. يهدف ذلك إلى جعل الجيش العراقي أكثر استقلالية ويعكس رغبة بغداد في مأسسة قواتها بعيدًا عن التبعية للتحالف الواسع.

مخاطر الإرهاب والوضع الداخلي

رغم أن علاوي أكد أن التهديدات الحالية أقل من سابقة، وظهور جيوب صغيرة من تنظيم داعش في مناطق زراعية، إلا أن تقارير دولية تشير إلى تمدد التنظيم في مناطق أخرى، وأن الخطر لا يزال قائمًا على المستويين الإقليمي والعالمي. العراق يعمل على إصلاح قطاعه الأمني، بما يشمل مأسسة الأجهزة الأمنية، مع استمرار الجدل حول مشروع قانون الحشد الشعبي في البرلمان، والذي قد يثير خلافات مع واشنطن حيث تخشى من نوايا تعميق النفوذ الإيراني داخل العراق.

رؤية الحكومة العراقية وخطواتها المستقبلية

قال علاوي إن رئيس الحكومة يهدف إلى نأي العراق عن الصراعات الإقليمية، والاعتماد على الدبلوماسية والحوار للحفاظ على الأمن والاستقرار، مع التركيز على حماية البعثات الدبلوماسية وبناء قوات مسلحة مستقلة. تراهن بغداد على توازن في علاقاتها الدولية والإقليمية، مع الحفاظ على استراتيجيتها بمواجهة الإرهاب، رغم التحديات التي قد تفرضها التهديدات الأمنية والضغوط الخارجية.

الانسحاب وتحول الاستراتيجية الأميركية

تؤكد واشنطن أن الانسحاب السريع لا يعني التخلي عن العراق تمامًا، وإنما يعكس إعادة تموضع استراتيجي يهدف إلى تقليل الأعباء الميدانية مع الاستمرار في الحفاظ على النفوذ عبر الشراكات الثنائية. قد تكون خطوة سحب القوات من عين الأسد وفكتوريا جزءًا من مسعى لإعادة رسم الخارطة الأميركية في الشرق الأوسط، مع ترك العراق أمام اختبار حقيقي لقدرة القوات الوطنية على إدارة المرحلة المقبلة، سواء من ناحية الأمن أو التحديات السياسية والاقتصادية.

بهذه الخطوات، تحاول واشنطن إدارة مصالحها بطريقة تسمح لها بالبقاء ضمن المشهد العراقي، بينما تبرز التحديات أمام بغداد في إدارة التوازن بين السيادة والتأثير الخارجي، خاصة مع استمرار وجود خطر إرهابي، وضرورة تطوير القدرات العسكرية، وسط صراعات إقليمية ودولية تعقد المشهد أكثر.

مقالات ذات صلة