يشهد لبنان حالياً لحظة سياسية حاسمة، إذ تتقاطع الضغوط الخارجية من أميركا وإسرائيل مع التعقيدات الداخلية، مما يصعد ملف سلاح حزب الله إلى مقدمة الاهتمام.
تطورات الموقف الدولي والداخل اللبناني
أكد المبعوث الأميركي إلى بيروت أن إسرائيل ستبدأ سحب قواتها بشكل تدريجي من الأراضي اللبنانية، بناءً على مدى تنفيذ خطة نزع أسلحة حزب الله التي ستقدمها قيادة الجيش إلى مجلس الوزراء في نهاية أغسطس. في المقابل، جاء رد حزب الله حاسماً، حيث شدد أمينه العام نعيم قاسم على أن السلاح هو “روح وشرف الحزب”، ورفض رفضًا قاطعًا التخلي عنه، متهمًا الحكومة اللبنانية بأنها تعمل وفق إملاءات إسرائيلية وأميركية.
هذا التباين يوحي بأن لبنان يواجه معضلة معقدة بين التزاماته الدولية ورغبته في الحفاظ على توازنه الداخلي، حيث يُعتبر السلاح جزءًا من معادلة القوة والردع. فيما تزداد الضغوط الأميركية، يتسرب الحديث عن احتمال توقيع اتفاق دفاعي بين لبنان وأميركا، وهو ما يثير قلقًا داخليًا، خاصة فيما يتعلق بمستقبل قوات “اليونيفيل” على الحدود، إذ يُتوقع أن يكون تمديدها محدودًا ولمدة سنة واحدة، بهدف تمكين أميركا من الانتشار على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
مخاطر التوتر والتوازن الداخلي
يرى بعض المحللين أن الملف لم يعد مقتصرًا على قضية السلاح فحسب، بل أصبح جزءًا من خريطة النفوذ الإقليمي، حيث تسعى واشنطن لتوجيه المعادلة لمصلحتها عبر تفاهمات داخلية وخارجية. بعد الأول من سبتمبر، من المتوقع أن تتخذ إسرائيل خطوات عملية منسحبة من مناطق محتلة، بشرط أن تلتزم الحكومة اللبنانية بخطة الجيش، التي يُنظر إليها كمدخل لتخفيف التوترات. مع ذلك، يبقى النزاع حول السلاح غير اللبناني وحول قرار الانسحاب محفوفًا بالمخاطر، خاصة لو لم تتوافق الأطراف على خطوات تدريجية وسلمية.
دور القوى السياسية والمرجعيات الوطنية
يلعب رئيس مجلس النواب نبيه بري، دورًا أساسيًا في إدارة الملف، إذ يُنظر إليه كحلقة وصل رئيسية بين حزب الله والمكونات السياسية، ويُعدُّ وجوده دعمًا للتوازن الداخلي وتيسير التفاوض. وبحسب خبراء، فإن ارتباط الموقف الأميركي بشخص بري يعكس تفاهمات داخلية، حيث يُعتبر بري هو “الأخ الكبير” الذي يمتلك شبكة علاقات واسعة تمكنه من إدارة الملف بمرونة. ويؤكد هؤلاء أن أي انفصال بين الحزب وبري غير واقعي الآن، فهما في مسار مشترك، وكل من الرؤساء الثلاثة يبذلون جهودًا لاحتواء التناقضات الداخلية، مع الاعتماد على توافق داخلي وإدارة واقعية للأزمة، مع استمرار الانتظار لخطوات إسرائيلية عملية على الأرض.
لبنان أمام مفترق طرق
يواجه لبنان تحديات داخلية وخارجية معقدة، حيث تضغط الدول الكبرى، خصوصًا واشنطن وتل أبيب، لإعادة رسم خريطة النفوذ، فيما يتمسك حزب الله بسلاحه كجزء من مقاومته، وسط محاولة الدولة تأكيد سيادتها عبر خطة الجيش. ومع محاولة بعض الوسطاء، وعلى رأسهم بري، فتح مسارات تفاوضية لخفض التوتر، يبقى الخطر الأكبر أن يؤدي أي قصور في التفاهمات إلى اهتزاز داخلي، خاصة إذا تزامن الضغط الخارجي مع غياب التوافق السياسي في لبنان. تظهر الآن الدولة على حافة الاختبار، بين التسويات الدولية والحساسيات الداخلية، حيث يُعد ملف السلاح أحد العقد الأساسية التي تحدد مسار المرحلة المقبلة، وهو موضوع لم يعد داخليًا فحسب، بل يمثل توازنًا إقليميًا بين واشنطن وتل أبيب وطهران، مع محاولة لبنانية للحفاظ على سلمها الأهلي ومنع انزلاق البلاد نحو المجهول.







