رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | عامان من حرب غزة.. استراتيجيات متضاربة وكارثة إنسانية

شارك

تتصاعد معاناة سكان غزة مع استمرار الحرب، حيث تزداد الصعوبات يوماً بعد يوم مع وجود تدمير واسع للمباني ونزوح العائلات إلى العراء، مع نقص كبير في المواد الغذائية والأدوية. تشير التقديرات إلى نزوح أكثر من 80 بالمئة من السكان، وتعرض مئات الآلاف لخطر المجاعة، في ظل انهيار كامل للخدمات الصحية والتعليمية.

يصف خبراء الأزمة بأنها ليست مجرد مواجهة بين طرفين متكافئين، بل عملية تدمير شاملة وتهجير جماعي، حيث كانت حماس قد قدمت تنازلات في مفاوضات سابقة، لكنها قوبلت برفض إسرائيلي مستمر. ويؤكد محللون أن هدف إسرائيل يتجاوز محاربة حماس، ليشمل فرض سيطرتها على موارد القطاع، خصوصًا حقول الغاز، وتنفيذ مشاريع استيطانية أوسع.

البعد السياسي وخطوط التحرك الحالية

يرى بعض المسؤولين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يركز على استمرارية الحرب لتحقيق أهدافه السياسية، حيث تتيح له الظروف تأجيل قضاياه الداخلية، خاصة ملفات الفساد، في حين يستخدمها داعموه لتقوية موقفه أمام اليمين المتشدد الذي يطالب بالمزيد من العمليات العسكرية حتى القضاء نهائيًا على حماس. في مقابل ذلك، يقدم نتنياهو أن الهدف من العمليات هو تحرير الرهائن والقضاء على قيادة الحركة، مؤكداً أن إسرائيل لا تنوي تهجير السكان وإنما إقامة مناطق آمنة مؤقتة، رغم تكرار الاتهامات بوجود نية في تغيير التركيبة السكانية في غزة.

وفي الوقت ذاته، يرى محللون أن استمرار الحرب يخدم مصالح سياسية إسرائيلية، إذ يسمح لنتنياهو بالتصرف وفق مخططاته، ويمنحه ذريعة لتأجيل ملفات داخلية مهمة، والمعارضة الدولية تظهر مشككة في جدوى المواجهة العسكرية، معتبرة أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتعمّق الأزمة الإنسانية والحقوقية في القطاع.

الوضع الإنساني وتداعياته

تمثل صورة الدمار المستمر مأساة إنسانية فاقمت من ظروف السكان، مع انهيار البنية التحتية وخلو المستشفيات والمدارس من التشغيل الكامل، ونقص حاد في المواد الأساسية. وتقدر منظمات إنسانية أن أكثر من 80 بالمئة من السكان في غزة نزحوا من منازلهم، فيما يواجه المئات خطر المجاعة، وسط فقدان الأمل الواضح في تحسن الأوضاع.

وصف أستاذ العلوم السياسية أمجد شهاب المشهد بأنه تدمير شامل وتهجير جماعي، مشيرًا إلى أن حماس كانت قد أبدت استعدادها لتقديم تنازلات، إلا أن إسرائيل ترفض التوقف، بهدف فرض سيطرتها على موارد القطاع، واستمرار عمليات التوسعة الاستيطانية، وهو ما يعمق الأزمة ويمهد لسيناريوهات أكثر تفاقمًا.

تأثيرات الحرب على المجتمع الدولي والأطراف المجاورة

تفرض الضغوط الدولية على مصر، التي ترفض بشدة فكرة التهجير الجماعي من غزة، وتعتبره محاولة لتصفية حق العودة. وتؤكد مصر أن عمليات نقل السكان إلى سيناء تمثل خطًا أحمر، لأن ذلك يغير جوهر القضية الفلسطينية ويهدد تكامل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

وفي الوقت نفسه، يشير خبراء إلى أن المجتمع الدولي لم يضغط بما يكفي لوقف استهداف المدنيين، مما أدى إلى انهيارات كبيرة في البنية التحتية وتفاقم معاناة الفلسطينيين، حيث يتحول الجيل الجديد إلى مشاهد من الصدمة النفسية، وسط استمرار القصف والصراع المسلح.

واقع غزة وأفق الحلول

يجسد الوضع الراهن استمرار العمليات العسكرية وتبني حماس لاستراتيجية الصمود، مع وجود خسائر بشرية ومادية فادحة، حيث تراجع القطاع ليصبح أرضًا بلا مؤسسات حيوية، يعاني من انقطاعات في الخدمات الأساسية. ويعيش السكان على أمل أن يتوقف القصف ولو ليوم واحد، وسط حقيقة أن الحرب تتطور بشكل لا يترك مجالاً لحلول قريبة.

وفي ظل غياب أفق واضح للتسوية السياسية، تصر إسرائيل على تحقيق أهدافها الكاملة قبل أي وقف لإطلاق النار، بينما ترفض حماس الاستسلام، فتظل الأوضاع تتسم بالجمود، مع تزايد معاناة المدنيين الذين يقفون بين نار القصف وسندان الحصار. ويبدو أن فرص التوصل إلى سلام شامل تبقى ضعيفة، إذ لا تزال الأطراف غير مستعدة للتنازل، وسط تصاعد التداعيات الإنسانية والحقوقية.

يمثل استمرار النزيف والدمار دافعًا لاعتراف المجتمع الدولي بأن الحل العسكري وحده لا يضمن إنشاء سلام حقيقي، وأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وفتح أفق لحياة كريمة للسكان. لكن، مع استمرار المشهد على حاله، يبقى القطاع رهينة صراع أعمق من حسابات سياسية، يدفع المدنيون فيه الثمن الأكبر من أرواحهم ومعاناتهم اليومية.

مقالات ذات صلة