خرجت شاحنات تابعة للجيش اللبناني من بعض المخيمات الفلسطينية في الجنوب، محملة بأسلحة خفيفة وقذائف، في خطوة تعتبر الأكبر من نوعها منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية. جاءت هذه العملية بتنسيق مباشر مع السلطة الفلسطينية وبدعم من المجتمع الدولي، وتحولت إلى حدث سياسي هام يهدف إلى إنهاء صفحة من الصراعات الداخلية والتوترات التي كانت تقع المخيمات الفلسطينية فيها مركزًا لها.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل يمتلك لبنان القدرة على تكرار هذه التجربة مع حزب الله، الذي يمتلك ترسانة أسلحة تفوق إمكانيات الدولة اللبنانية، ويعتبر ملف السلاح لديه خطًا أحمر غير قابل للنقاش. فالسلاح الفلسطيني، الذي كان يُبرر لحيازته بحجة المقاومة، أثبت على مدى عقود أنه عبء مزدوج على الدولة والفلسطينيين أنفسهم، إذ خلقت أدوات القتال هدفاً لإسرائيل وأسهمت في إشعال الحروب الأهلية وتقويض سيادة الدولة اللبنانية. كما أن جزءًا من أسلحة الفصائل الفلسطينية، خاصة في مخيم عين الحلوة، التي رفضت تسليم كامل ترساناتها، يضع لبنان في مواجهة أزمة أمنية عميقة، مع وجود جماعات متطرفة ترفض التخلي عن سلاحها وتمارس نفوذًا داخل المخيمات.
تأثير التسليم على موقف حزب الله
يرى خبراء أن تسليم السلاح الفلسطيني يضع حدًا لذرائع حزب الله التي يستخدمها لتبرير احتفاظه بسلاحه، خاصة أن نجاح الدولة اللبنانية في هذه المهمة سيسقط إحدى الحجج الأساسية التي يعتمد عليها الحزب، المتمثلة في وجود مخزون مقاوم غير خاضع لسيطرة الدولة. ويُعتقد أن حزب الله قد شجع بعض الفصائل الفلسطينية على رفض تسليم سلاحها، للحفاظ على ورقة ضغط وموقف سياسي مرن، لكن مع استكمال نزع السلاح من الفلسطينيين، ستواجه حكومة لبنان تحديًا كبيرًا في محاولة لدمج سلاح الحزب، الذي يتجاوز بكثير السلاح الفلسطيني ويشمل صواريخ متطورة ومخازن للذخيرة بأماكن متفرقة على الأراضي اللبنانية.
سيناريوهات مستقبل السلاح لدى حزب الله
يحدد خبراء أن أمام حزب الله ثلاثة احتمالات: الأول، أن يختار الحزب الحل السياسي الطوعي ويعلن تسليم سلاحه للجيش اللبناني، مع احترامه للمظاهرات الإقليمية والدولية، ويخلق مخرجًا محترمًا؛ الثاني، أن يختار المواجهة ويقاوم أي قرار حكومي، ما قد يؤدي إلى صدام داخلي كبير؛ والثالث، أن يتدخل الجيش الإسرائيلي، كما فعل سابقًا، من أجل فرض نزع السلاح بالقوة، وهو سيناريو كارثي قد يجر لبنان إلى حرب مدمرة جديدة إذا لم تتخذ المؤسسات اللبنانية قرارًا حاسمًا.
خطة الجيش اللبناني والتحديات القائمة
يعمل الجيش اللبناني على إعداد خطة تفصيلية لجمع السلاح من مختلف المناطق، حيث يقدر أن جمع السلاح من جنوب الليطاني قد يستغرق أسبوعين، ويتطلب خطة مرحلية تشمل مناطق عدة، ولكن التنفيذ يعتمد بشكل أساسي على قرار سياسي موحد من الحكومة والدعم الشعبي، إذ إن القوة العسكرية وحدها لا تكفي إذا لم تكن هناك إرادة سياسية قوية لدعمها.
موقف الدولة وسيادتها
يشدد خبراء على أن المعضلة الأساسية تتعلق بالقرار السياسي، فإذا نجحت الحكومة في تنفيذ خطة نزع السلاح، فستضع حزب الله أمام معضلة كبيرة، أما إذا أخفقت، فسيكون ذلك بداية لتقويض هيبة الدولة وعلى الأرجح دخول لبنان في أزمات وتدخلات خارجية، خاصة أن فشل الدولة في هذه المهمة قد يؤدي إلى تدخل إسرائيل وفرض الأمر بالقوة، مما يهدد بنشوب حرب جديدة وتدمير للبنان.
الاختبار التاريخي وبداية معركة السيادة
تسليم جزء من السلاح الفلسطيني هو خطوة مهمة، لكنها بمثابة اختبار حاسم لمصداقية الدولة اللبنانية في استعادة سيادتها، إذ إن استكمال العملية حتى عين الحلوة قد يضع حداً لسلطة حزب الله ويفرض على الجماعات المسلحة أن تختار بين السلم والتسوية أو المواجهة المسلحة. وإذا فشلت الحكومة في ذلك، فسيكون لبنان أمام خسارة كبيرة لمفهوم السيادة وستمهد الطريق لتدخل خارجي يعطل استقرار المنطقة.
وفي النهاية، يقف لبنان اليوم أمام محك تاريخي، فإما أن ينجح في حصر السلاح بيد الدولة واستعادة سيادته، أو يظل أسيرًا للاستثناءات والتدخلات، مع احتمال اندلاع أزمات داخلية أو مواجهة مع إسرائيل في أي لحظة.







