المشهد الراهن والمبادرات الأمريكية
تتصاعد التوترات في قطاع غزة مع استمرار الحرب وتبرز مبادرات أميركية كأداة ضغط دولية قد تغيّر مسار الأحداث.
تطلق الإدارة الأميركية ما وصفته بالتحذير الأخير لحركة حماس، وتدعوها إلى قبول صفقة شاملة لوقف إطلاق النار وتحديد أولوية لوقف الحرب وانسحاب إسرائيل.
تتضمن المبادرة إطلاق جميع الرهائن مقابل وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، وتوقف العملية العسكرية، ثم بدء مفاوضات حول شروط إنهاء الحرب ونزع سلاح حماس وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.
وتؤكد مصادر مقربة من حماس أنها تدرس المقترح بروح إيجابية وتتعامل معه بمسؤولية عالية، بينما يدرس مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي المقترح بجدية، مع ترجيحات بأن تستمر حماس في رفضه.
قراءة في الضغوط والمواقف الداخلية
يرى صبحي عسيلة أن التحذير الأميركي يعكس جدية غير مسبوقة للإدارة الأميركية في مساعيها لوقف الحرب.
يشير عسيلة إلى أن إسرائيل تواجه مأزقا حقيقيا داخل قطاع غزة، حيث تقف أمام خيارين صعبين: مخاطر التورط في مواجهة ممتدة وضغوط أميركية لوقف الحرب في الوقت الراهن.
ويؤكد عسيلة أن المبادرة الأميركية تقترن بضمانات وتطمينات تتيح إنهاء الاحتلال وتوقف العمليات مقابل شروط مقبولة للطرفين وتوفر إطارا للمفاوضات.
موقف حماس ومسارات الحل المحتملة
ويرى كوبي لافي، المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية متصاعدة وتوازنات صعبة بين الحفاظ على أمن إسرائيل ورؤيته السياسية الداخلية.
ويوضح لافي أن إسرائيل تراهن على أن تقبل حماس الصفقة أو تتحفظ بشكل يتيح استثمار الوقت في تعزيز سيطرتها الأرضية، مع تأثيرات محتملة للضغوط الإيرانية في المواقف المتداخلة.
ويؤكد حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في غزة، أن ما يصل إلى حماس حتى الآن ليس عرضا رسميا مكتملًا بل معلومات إعلامية تحتاج إلى تدقيق، وأن أي تفاوض يجب أن يقوم على ضمانات واضحة للحفاظ على المدنيين ونفوذ الحركة.
السيناريوهات وتوازن القوى
تشير المعطيات إلى وجود مسارات محتملة تجمع بين خيارات متعددة، وتبرز ثلاث سيناريوهات رئيسية في الصورة العامة.
ويقود السيناريو الأقرب إلى الواقع وقف إطلاق نار مشروط يتضمن الإفراج عن الأسرى وفتح ممرات إنسانية، مع استمرار المفاوضات حول انسحاب إسرائيل ونزع سلاح حماس وتطمينات لحماية المدنيين.
يرتفع احتمال استمرار الحرب إذا رفضت حماس الصفقة أو استمرت إسرائيل في خياراتها العسكرية، وهو ما يفاقم المعاناة الإنسانية ويعقد أي أفق سياسي حاليًا.
يبقى السيناريو الأبعد طموحا وهو تسوية شاملة تعيد إدماج غزة في إطار سياسي واقتصادي أوسع، لكنها تتطلب توافقا غير متاح حتى الآن وتستلزم إرادة أميركية حقيقية لفرض التنفيذ، إضافة إلى دور إقليمي فاعل.
دور الحاضنة العربية وآفاق المستقبل
تضطلع الحاضنة العربية، خصوصاً مصر والإمارات، بدور حاسم في ضبط المسار السياسي وتحذير من تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تهدد الاستقرار الإقليمي وتعرقل فرص التسوية.
يمكن أن تستفيد حماس من الوساطة العربية لضمان حماية المدنيين وبقاء حكمها ضمن إطار سياسي شرعي، وتخفيف الضغوط الدولية من حولها مع الحفاظ على مساحة نفوذ داخل القطاع.
تبقى غزة محور توتر إقليمي ودولي تتقاطع فيه المصالح الفلسطينية والإسرائيلية والعربية، وتبقى الأسئلة حول قدرة الأطراف على ترجمة المبادرات إلى وقف دائم للحرب أم استمرار التصعيد وتفاقم الأزمات الإنسانية، وهو ما سيحدد مستقبل القطاع واستقرار المنطقة.







