رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | بين غزة وبيروت.. خطوط خفية تعيد تشكيل المشهد مع إبقاء المعنى كما هو

شارك

تشهد المنطقة تقلبات متسارعة تتعاقب فيها الملفات وتتشابك المصالح الإقليمية والدولية، من غزة إلى بيروت، ومن دمشق إلى طهران. هذا المشهد المترابط يجعل قراءة التطورات مهمة ومعقدة، خاصة في ظل تعدد الأطراف وتباين أولوياتها.

ميدان متغير وتوازن هش

استهلت مراسلتنا في واشنطن أمينة أسريري مداخلتها بعرض ميداني يرسم الواقع على الأرض، مشيرة إلى أن التطورات الأمنية والسياسية تسير بوتيرة سريعة يصعب التنبؤ بها. وأوضحت أن المشهد في العواصم يعكس توازنًا هشًا بين ضغوط الشارع ومصالح القوى الإقليمية، مؤكدة أن التحالفات القديمة لم تعد ثابتة كما كانت في السنوات السابقة. وأبرزت أن التحركات الدبلوماسية تكشف عن إعادة تموضع سياسي لدى أطراف عدة في ظل تقلب مواقف القوى الكبرى تجاه أزمات المنطقة. وتعتبر أن هذه التحركات تفتح الباب أمام مقاربات جديدة قد تعيد رسم التوازنات الداخلية والخارجية، لكنها لا تلغي القلق السائد في الشارع العربي.

واقع ما بعد الأزمات واستحالة العودة إلى المربع الأول

أما المستشار عمر الشوبكي، فقد تناول الموقف من زاوية تحليلية أعمق، معتبرًا أن المنطقة دخلت مرحلة ما بعد الأزمات، حيث لم يعد ممكنا العودة إلى المربعات السياسية القديمة. يقول: المعادلات التي حكمت المنطقة لعقد تغيرت جذريًا، فالدول لم تعد تقاتل بالنيابة عن الآخرين كما في السابق، بل تبحث عن ترتيبات توازن تضمن بقائها واستقرارها الداخلي قبل أي حسابات خارجية. وأشار إلى أن التحولات الإقليمية ليست مجرد رد فعل على الأحداث بل تعبير عن تحول في منطق إدارة النفوذ، وأن بعض القوى تدرك أن التصعيد المستمر لا يمكن أن يؤدي إلى مكاسب دائمة. كما أن التهدئة الجزئية لا تعني بداية سلام بل إعادة توزيع للأوراق قبل جولات جديدة من التفاوض أو التصعيد. ورُسمت رؤية الشوبكي بأن التحول يتمثل في انتقال الصراعات من الطابع العسكري إلى صيغ النفوذ الاقتصادي والسياسي، ما قد يفتح باباً لترتيبات جديدة بين القوى الكبرى مع دخول ملفات الطاقة وإعادة الإعمار كعناصر مؤثرة في المعادلة الجيوسياسية.

توازنات دقيقة في ظل صراع الإرادات

ومن جانبه، تناول أستاذ العلوم السياسية الدكتور أمجد شهاب زاوية أخرى، فركّز على توازنات القوى في المشهد الإقليمي، مؤكدًا أن المنطقة تشهد صراع إرادات أكثر من كونه صراع حدود. وقال: اللاعبين الإقليميون يسعون لتثبيت مواقعهم عبر الدبلوماسية القسرية، بينما تحاول القوى الكبرى إدارة اللعبة دون التورط المباشر، ما يجعل كل تسوية مؤقتة وقابلة للانفجار في أي لحظة. وأوضح أن العلاقات بين العواصم الكبرى تمر بمرحلة “إعادة اختبار”، إذ تسعى بعض الدول إلى توسيع هامش استقلاليتها عن المحور الدولي، في حين تحافظ أخرى على موضعها التقليدي. وأضاف أن التغيير في خطاب بعض العواصم يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الحلول الأمنية وحدها لم تعد كافية لإدارة الأزمات. ويرى شهاب أن التحول السياسي المقبل لن يُبنى على التحالفات القديمة، بل على مبدأ المرونة السياسية والقدرة على استيعاب المتغيرات الاقتصادية والأمنية معًا. ومن قراءته يتضح أن المشهد يتجه نحو إعادة تعريف للأدوار الإقليمية، حيث لم تعد هناك قوة قادرة على فرض إيقاع واحد للمنطقة، بل تعددت الإيقاعات وتداخلت المصالح.

المعادلة الاستراتيجية الجديدة وملف الأمن الإقليمي

أما الخبير منصور معدي فركز على البعد الأمني والاستراتيجي للأحداث، معتبرًا أن الشرق الأوسط اليوم يعيش معادلة أمنية جديدة تقوم على الردع المتبادل والتفاهم المرحلي، وليس على الاتفاقات الدائمة. وقال: الفاعلون الإقليميون يدركون أن أي انهيار أمني شامل سيكلف الجميع، لذا هناك ميل واضح نحو ضبط إيقاع الصراعات دون حلها جذريًا. وأوضح أن تعدد الوسطاء الإقليميين والدوليين لا يعني بالضرورة قرب الحلول، بل يعكس حالة من التوازن السلبي التي تبقي الملفات مفتوحة ضمن سقف محدد من التوتر. وأضاف أن بعض القوى الخارجية تحاول “إدارة الأزمة بدلاً من إنهائها”، لما تمنحه حالة اللاحسم من فرص تفاوض وضغط سياسي. وفي تحليله لمستقبل المرحلة المقبلة، أكد معدي أن المنطقة مقبلة على صفقات متبادلة أكثر من تسويات شاملة، إذ تسعى كل دولة لتأمين مصالحها في ملفات الطاقة والحدود والأمن، في حين تبقى القضايا الكبرى مثل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي رهينة لتوازنات القوى الكبرى.

تقاطعات التحليل: خريطة مضطربة بين التهدئة والمواجهة

المشترك بين مداخلات الضيوف هو إدراكهم العميق أن المنطقة لا تعيش مرحلة استقرار، بل مرحلة إدارة مؤقتة للأزمات. فقد أكدت أسريري ميدانيًا هشاشة التوازنات، في حين رأى الشوبكي أن معادلات النفوذ تغيرت، وأشار شهاب إلى تآكل التحالفات القديمة، بينما شدد معدي على أن الردع المؤقت بات السمة الأبرز للمشهد الاستراتيجي. هذه القراءات مجتمعة ترسم صورة لشرق أوسط جديد قيد التشكل لا تحكمه شعارات الماضي ولا موازين القوى التقليدية. فالمعادلة باتت أكثر براغماتية: كل طرف يوازن بين ما يمكن تحقيقه ميدانيًا وما يمكن الحفاظ عليه سياسيًا. ويبدو أن العواصم الإقليمية الكبرى باتت أكثر وعيًا بتكلفة المواجهة المباشرة، وأكثر ميلًا إلى سياسة “إدارة الوقت” بدل الحسم، في انتظار تغيّر موازين القوى الدولية.

الشرق الأوسط بين إرث الصراعات وفرص التحول

تكشف النقاشات أن المنطقة تقف على مفترق طرق حقيقي. فبينما يرى بعضهم أن الأزمات المتكررة أنهكت الشعوب وأضعفت الهياكل السياسية، يرى آخرون أن ما يجري هو فرصة لإعادة بناء منظومة إقليمية جديدة تكون فيها الاستقرار مصلحة مشتركة لا ترفًا سياسيًا. لكن التحول لن يكون سريعًا ولا كاملاً، فكل تقدم في ملف يقابله تراجع في آخر، وكل تقارب يبقى مشروطًا بحدود النفوذ ومصالح القوى الكبرى. إنها مرحلة انتقالية بامتياز—مرحلة توازن الضرورة، لا سلام الطمأنينة. وفي ظل هذا المشهد تظل المنطقة مفتوحة على احتمالات متناقضة: إما انبثاق نظام إقليمي أكثر توازناً، أو جولات جديدة من الاضطراب تعيد عقارب الزمن إلى نقطة الصفر.

مقالات ذات صلة