تشير التطورات الأخيرة في ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي إلى تحولات بارزة مع مؤشرات على احتمال توسيع اتفاق غزة ليشمل السعودية ودولا عربية أخرى، ما يعكس مسارًا أقوى نحو تسوية شاملة في المنطقة.
يشدد الدكتور سالم اليامي، المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، على أن الهدف الأوسع ليس فقط الفلسطينيين والإسرائيليين بل سلام شامل يربط استقرار الدول العربية بعلاقات أقوى مع إسرائيل عبر خطوات استراتيجية طويلة المدى، وهو يربط ذلك بتأكيد الرئيس الأميركي السابق ترمب على مفهوم الاتفاقيات الإبراهيمية التي تهدف إلى تعزيز العلاقات العربية مع إسرائيل بشكل تدريجي. ويرى أن الحديث عن سلام في غزة جزء من مشروع أشمل يهدف إلى استقرار المنطقة ككل، وأن المبادرة الأميركية السابقة سعت إلى توسيع دائرة الاتفاقيات لتشمل السعودية ودولا عربية أخرى، ما يفتح باباً لتحولات سياسية تعيد تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية.
شروط المملكة والحدود السياسية
يؤكد اليامي أن المملكة والمنظومة العربية والإسلامية ليست معارضة للسلام، لكنها تشدد على شروط أساسية لضمان فعاليته، منها إقامة دولة فلسطينية حقيقية، وقف الاستيطان واحتلال الأراضي الفلسطينية، والاعتراف الدولي بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. كما يشير إلى أن العقلية الإسرائيلية ما تزال تركز على القوة كركيزة للأمن والاستقرار، وهو ما قد يعيق تحقيق سلام حقيقي إذا لم تتغير موازين القوى ونهج التعامل مع الفلسطينيين. وتبرز لدى العرب ثقة جديدة بعد ما عاناه القطاع من قتل وتجويع وحصار، بحيث يصبح التقدم نحو السلام مدعوماً بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية الأساسية، وليس عبر فرض رؤية إسرائيلية أحادية.
إسرائيل والتحالفات الجديدة
من حيفا يرى موشيه العاد، المحاضر في أكاديمية الجليل الغربي، أن مؤتمر شرم الشيخ يحمل إمكانات تاريخية لبناء تحالف إقليمي تقوده الولايات المتحدة، بينما تواجه إسرائيل تحديات جدية مع إيران وحزب الله، ما يجعل الانضمام إلى أي تحالف مرتبطاً بتحسن سلوكها تجاه جيرانها. كما يشير إلى أن فرص إقامة دولة فلسطينية حقيقية تتطلب تغييرا جذريا في السياسة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل العداء الشعبي في إسرائيل بعد أحداث سابقة، حيث أظهرت استطلاعات أن أغلب الإسرائيليين يعارضون إقامة دولة فلسطينية في الوضع الراهن. ويؤكد أن تحقيق حل الدولتين يحتاج إلى حكومة إسرائيلية معتدلة ووقت كافٍ لتجاوز آثار الصراع الأخير. كما يوضح أن المبادرة العربية للسلام عام 2002 تشترط انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بما فيها الجولان والقدس الشرقية والضفة الغربية لإقامة علاقات سلمية مع الدول العربية، وهو شرط لم تقبله إسرائيل حتى الآن، ما يجعل مسألة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة معقدة بسبب قضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين والضمانات الأمنية.
القوة مقابل الحقوق.. العقبة الأساسية
يبرز اليامي أن إسرائيل لا تزال تعتبر القوة هي الضامن الأساسي للأمن، وهو ما ينعكس في سياسات الاحتلال والهجمات الأخيرة، إضافةً إلى تغيّر محدود في السياسة الأميركية وتوجهها نحو تشديد معايير القوة في الإقليم. ويرى أن أي اتفاق سلام مستقبلي يحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية واحترام حقوق الفلسطينيين وإحياء مسار السلام العربي الإسرائيلي، بما في ذلك المبادرة العربية لعام 2002، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ووقف القضم التدريجي للأراضي. كما يؤكد أن السلام لن يتحقق بدون احترام الحقوق الفلسطينية ووقف الاستيطان واقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع التزام عربي وإسلامي ودولي قوي.
آفاق التحالفات العربية والإسلامية
يشدد اليامي على أن السعودية ودولا عربية وإسلامية مثل مصر وتركيا وإندونيسيا يمكن أن تلعب دوراً محورياً في مشروع سلام شامل، مع دور رئيسي للتحالف مع الولايات المتحدة لتسريع المصالحات الإقليمية، بشرط وجود توافق داخلي في إسرائيل وتغيير نظرتها إلى حقوق الفلسطينيين. من جهته، يرى العاد أن التحالف الجديد بقيادة الولايات المتحدة مع الدول العربية لن ينجح إلا إذا أدركت إسرائيل أن الفلسطيني جزء من الجوار لا يمكن تجاهله، وأن مؤتمر شرم الشيخ يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لحوار موسع، شرطاً وجود إرادة سياسية إسرائيلية والتزام دولي بحقوق الفلسطينيين. تبقى خطوة غزة مهمة لإحياء مسار السلام، لكنها ليست حلاً نهائياً؛ فالمطلوب سلام شامل يتطلب تغييرات جذرية في العقلية الإسرائيلية، وقف الاستيطان، إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ودعم عربي وإسلامي ودولي مستمر للحقوق الفلسطينية، مع بناء تحالفات إقليمية قائمة على التعاون والمصالح المشتركة، لا على القوة وحدها.