رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

حين يتكلم البروتوكول: ما وراء لقاء الرئيسين أحمد الشرع وفلاديمير بوتين

شارك

الكاتب – حسام لبش

لم تكن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو حدثًا عابرًا كما حاول بعض المتهكمين تصويرها، ولا كان مشهد اللقاء بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفصيلًا بروتوكوليًا يمكن تجاوزه. فكل حركة، وكل زاوية كاميرا، وكل طريقة دخول، في الكرملين، تحمل دلالتها ورسالتها السياسية العميقة. ومن يقرأ المشهد بعيون الوعي الدبلوماسي، لا بسطحية الانفعال، يدرك أن ما جرى في موسكو كان تكريسًا لمعادلة احترام وتكافؤ، لا مشهدًا لهيمنة أو استعلاء.

بين الدخول والاستقبال… لغة الرموز في الكرملين

في الأعراف البروتوكولية الروسية، طريقة دخول القادة إلى القاعة ليست إجراءً شكليًا، بل مؤشر دقيق على مستوى العلاقة بين الطرفين.

فعندما يُعلن في وسائل الإعلام الروسية أن “الرئيس الضيف وصل إلى الرئيس بوتين”، فهذا يعني أن بوتين في موقع المضيف المتفوّق، والضيف هو القادم إليه.
لكن حين يُفتح البابان في آن واحد، ويدخل كل رئيس من بابٍ مختلف ليلتقيا في نقطة المنتصف، فهذه ليست مصادفة مسرحية، بل رسالة مكتوبة بلغة البروتوكول:

الزعيمان متكافئان، واللقاء لقاء شركاء لا تابع ومتبوع.

 

هذا بالضبط ما جرى في لقاء الرئيسين الشرع وبوتين — دخول متزامن، ونقطة التقاء في الوسط، لا استقبال من طرف ولا استدعاء من طرف آخر.

بالمعايير الروسية الصارمة، هذا يعني أن الكرملين يعترف بشرعية وندية الرئيس السوري، وأن موسكو ترى في دمشق شريكًا سياسيًا كاملًا في صياغة معادلات الإقليم، لا مجرد “ملفًا” أو “تابعًا” كما يتمنى البعض.

الإهانة ليست في الصورة… بل في العيون التي تجهل قراءتها

من سخر من شكل اللقاء أو طريقة الدخول، إنما فضح جهله بلغة الدولة.
البروتوكول في الكرملين لا يُرتجل. كل تفصيل يخضع لترتيب سياسي مسبق، وكل خطوة يتم الاتفاق عليها بين الطرفين عبر مكاتب المراسم.
وحين يختار الروس أن يُظهروا الرئيس الشرع في مشهد دخول متكافئ، فإنهم يقولون للعالم إن سوريا عادت لتجلس في صفّ القادة الذين يُحترمون لا يُستدعون.

من السهل أن تُقرأ الصورة بعيون الانفعال أو الاصطفاف، لكن من الأصعب أن تُقرأ بعيون التحليل والسياسة.
ففي موسكو، لا يفتح باب الكرملين عبثًا لأحد، ولا يدخل أحد من “باب الرئيس” إلا من اعترف الروس بوزنه وشرعيته.

رسالة موسكو إلى العالم

ببساطة، اللقاء حمل في شكله ما هو أبلغ من البيان الرسمي:
روسيا أرادت أن تقول إن سوريا اليوم ليست هامشًا في معادلة الشرق الأوسط، وإن الرئيس الشرع ليس “زائراً”، بل “نظيرًا”.
ولعل من اعتاد على رؤية القادة العرب يدخلون من بابٍ جانبي ليلتقوا “الزعيم العالمي” في منتصف القاعة، لم يستطع استيعاب مشهد المساواة، فاستسهل السخرية بدل الفهم.

مقالات ذات صلة