رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | اتفاق غزة في ظل تنفيذ صعب وتزايد الضغوط الأميركية

شارك

تشهد غزة مرحلة اختبار حاسمة في اتفاقها مع إسرائيل، وسط تزايد المخاوف من انهياره قبل تنفيذ بنوده وتبادل الاتهامات بين الطرفين، بينما يلوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل المباشر لنزع سلاح حركة حماس إذا لم تفعل هي ذلك طواعية، وتدور في أروقة الغرب أحاديث عن إرسال قوة دولية إلى القطاع وإنشاء مناطق آمنة بإشراف عربي – دولي.

من رام الله قال الكاتب والباحث السياسي جمال زقوت في حديثه لغرفة الأخبار إنه يرى الاتفاق الذي وصفه ترامب بأنه قادر على إنهاء صراع عمره 3000 عام لا يجوز تركه لصدفة، بل يجب التعامل معه بحزم وتدقيق شديدين.

وأشار إلى أن واشنطن نجحت في فرض الاتفاق على إسرائيل، معتبرًا أن ترامب أجبر نتنياهو على إعلان نهاية الحرب أمام الكنيست بعد تهديد جدّي بذلك.

ورأى أن حماس التزمت بما في يديها من التزامات، وأن الأسرى سُلّموا خلال ساعات، بينما تأخّر تسليم الجثامين بسبب الدمار الهائل في القطاع، مؤكدًا أن الحركة لا تملك مصلحة في المماطلة.

أضاف أن المماطلة الحقيقية تأتي من الجانب الإسرائيلي الذي أغلق المعابر وخرق الاتفاق، في محاولة لإيجاد ذرائع تتيح له العودة إلى الحرب.

وتحدث عن أن الاتفاق يتضمن آلية رقابة دولية بقيادة أميركية، وبمشاركة مصر وتركيا وقطر، ما يوجب على الوسطاء إعلان بوضوح إذا ما كانت هناك عراقيل موضوعية أو مماطلة مقصودة.

وأكد الباحث الفلسطيني أن الحرب لن تعود، لأن القادة الذين اجتمعوا في شرم الشيخ لن يسمحوا لإسرائيل بالعبث مجددًا بمستقبل المنطقة، لافتاً إلى أن الاتفاق جاء أصلاً لفك عزلة إسرائيل السياسية والأخلاقية. كما شدد على ضرورة وجود ضمانات وطنية فلسطينية إلى جانب الضمانات الدولية، مبيناً أن حكومة وفاق وطني هي الجهة الوحيدة القادرة على ضبط تنفيذ الاتفاق، وتسليم السلاح بشكل منظم ومسؤول.

رؤية إسرائيلية.. خيبة أمل وريبة

تواجه إسرائيل، وفق ما قاله يوحنان تسوريف، كبيرة الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي، واقعاً عملياً ما زال فيه حرباً قائمة، كما أن خيبة الأمل نابعة من قلة الجثامين التي تسلمتها خلال الأيام الأخيرة، ما أثار شكوكاً حول نية حماس.

وأضاف أن في إسرائيل من يرى أن الحركة تماطل لتثبيت سيطرتها داخل غزة، ووصف ما يجري بأنه عمليات من نوع داعش لفرض الردع، غير أنه شدد على أنه لا يرى نية إسرائيلية حقيقية لتصعيد التوتر، مع وجود تفاهم مشترك بين تل أبيب وواشنطن على ضرورة إنجاز الخطة.

وأكد أن إسرائيل يجب أن تنتظر بضعة أيام لاستكمال عمليات البحث عن الجثامين وتسليمها.

ورأى أن الأزمة تعكس غياب مراجعة فلسطينية داخلية، وقال: كنت أتوقع من القيادة الفلسطينية أن تقول لحماس بوضوح إنها عليها التخلي عن السلاح لأنها دمرت المستقبل الفلسطيني.

في المقابل، يرى الأكاديمي خالد عكاشة أن أزمة الجثامين مفتعلة بالكامل، وأن النقطة نوقشت في جولات التفاوض بحضور الوسطاء، وأن إسرائيل كانت تعلم مسبقاً أن استخراج الجثامين سيستغرق أسابيع لا أيام.

يشير عكاشة إلى أن إسرائيل لا تزال تحتل 54% من مساحة قطاع غزة، ما يجعل بعض الجثامين في مناطق لا تملك حماس الوصول إليها، ويدّعي أن إسرائيل تحاول تصوير الأزمة كعائق داخلي في حين أن الحركة لا تملك صلاحية منع دخول فرق البحث عن الرفات.

وفيما يخص الخطة الأميركية، يوضح عكاشة أن القرار في غزة لم يعد خالصاً لإسرائيل بل أصبح أميركياً بالتعاون مع الأطراف العربية، وأن هناك مرحلة انتقالية تُدار فيها غزة من خلال لجنة تكنوقراط تابعة للسلطة الفلسطينية، مع وجود قوة دولية أمنية لحفظ الأمن وضمان إعادة الإعمار. كما يضيف أن مصر والأردن يجريان حالياً تدريب 5000 عنصر فلسطيني لدعم القوة الشرطية الدولية، وأن هذه القوة ليست عسكرية ولا مكلفة بنزع سلاح حماس مباشرة، بل لضمان الأمن وتنظيم المساعدات. كما يشير إلى أن الأوروبيين مستعدون للمشاركة في إدارة المعابر وفق اتفاقية 2005 لضمان انفتاح القطاع وانتهاء الحصار الذي تمارسه إسرائيل كأداة ضغط سياسي.

من جهته، قال روبرت رابيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك، إن التفاهم بين ترامب ونتنياهو قائم، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه مأزقاً داخلياً، وهو ماضٍ في التنفيذ ولن يتراجع، بل هدد بالتدخل شخصياً إذا لم تنزع حماس سلاحها. وأشار إلى أن إسرائيل وافقت على دخول تركيا وقطر في لجان الكشف عن الجثامين، وأن اللجنة المشتركة ستضم ممثلين مصريين وقطريين تحت إشراف أميركي، وهو ما يعتبره دلالة على جدية واشنطن في فرض التنفيذ. كما أشار إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في تشابه نهج حماس مع حزب الله، ما يجعل نزع سلاحها تحدياً أمنياً وسياسياً كبيراً.

ويرى أن استمرار الخطة يعتمد على تفاهم عربي – إسلامي واسع يدعم الإطار الأميركي الجديد، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ليست ضد الفلسطينيين بل تسعى لإصلاح السلطة وتمكينها.

مستقبل الاتفاق.. بين الضمانات والمخاوف

يرى المراقبون أن اختبار الثقة في اتفاق غزة سيكون عنوانه الوحيد: الثقة بقدرة الأطراف على تنفيذ المرحلة الأولى، وإلا فإن المسار باقٍ مهدد بالانهيار. فبينما تشترط إسرائيل تسلم كل الجثامين قبل الانتقال إلى البنود التالية، تردّ حماس بأن الدمار الإسرائيلي والحصار يعطِّل العملية، وتعمل واشنطن على تثبيت سلطة فلسطينية موحدة ونزع السلاح تدريجيًا تحت إشراف عربي ودولي.

يرى مراقبون أن الضمانة الحقيقية لا تكمن في البيانات أو اللجان وحدها، بل في وجود إرادة سياسية فلسطينية موحدة ترفض توظيف الملف الداخلي كذريعة للتنصل. قال جمال زقوت إن الكرامة الوطنية تقتضي أن يُسلَّم السلاح إلى حكومة وفاق وطني فلسطينية لا إلى قوة خارجية.

يشير المحللون إلى أن اتفاق غزة وُلد تحت ضغط أميركي وتعب عربي من دوامة الدم، وهو أمام اختبار التنفيذ. هناك من يراه تاريخياً وهناك من يعتبره قابلاً للانفجار، وأن الطريق نحو غزة جديدة يمر عبر نزع السلاح بالتوافق لا بالإجبار.

في نهاية المطاف، يبقى أن تتحول الضمانات الدولية إلى التزام وطني فعلي، وإلا ظل الاتفاق معلقاً بين شرم الشيخ وغزة، بين الوعد والهاوية.

مقالات ذات صلة