أثار مقطع فيديو معدّل بالذكاء الاصطناعي يظهر فيه ترامب مرتدياً تاجاً ملكياً وهو يقود طائرة حربية ويُلقي قاذورات على المتظاهرين موجة غضب داخل الولايات المتحدة، وفتح باباً للنقاش حول حدود السخرية السياسية.
تأتي التظاهرات رداً على ما وصفه المحتجون بـ”السلطوية المتزايدة” في إدارة ترامب وتحولت إلى اختبار جديد للعلاقة بين الرئيس الأميركي وشارعه الداخلي.
قال الكاتب والباحث السياسي إيهاب عباس، خلال حديثه إلى برنامج “ستوديو وان مع فضيلة” على سكاي نيوز عربية، إن رد ترامب جاء في شكل “سخرية شديدة جدا”، لكنها ليست مجرد نكتة عابرة بل تحمل دلالات سياسية عميقة.
وأوضح عباس أن ترامب “يجد دائماً مخرجا لأي تصرف”، مضيفاً أن الرئيس قد يسعى لاحقاً إلى تبرير الفيديو بالقول إنه “كان مليئاً بالطعام والبروتين”.
وأشار الباحث إلى أن ترامب عادةً ما يبرر أفعاله، وغالباً ما يلجأ إلى تحويل اللوم إلى الآخرين أو تغليف تصرفاته بطابع ساخر.
وذكر أن ما فعله الرئيس ونائبه جيدي فانس، إضافة إلى المؤيدين اليمينيين المتطرفين، يدخل في إطار حملة منظمة للسخرية من المعارضين.
الحراك الشعبي وتوسيع رقعته
وتحدث عباس عن حركة احتجاجية جديدة أطلق عليها اسم “فيفتي فيفتي وان”، نظمت فعالياتها في 14 يونيو ثم في 18 أكتوبر، لتشمل مختلف المدن الأميركية دون استثناء.
وأوضح أن التظاهرات كانت واسعة جداً، حتى وصلت إلى محيط بيوتنا، مشيراً إلى أن عدد المشاركين بلغ نحو تسعة ملايين مواطن أميركي، وهو رقم يعكس عمق الغضب الشعبي تجاه سياسات ترامب الاقتصادية والسياسية.
وأضاف أن حجم المشاركة وتوزعه الجغرافي الواسع دفع الرئيس إلى الرد بطريقة لافتة، مستخدماً أدوات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للسخرية من معارضيه، في مشهد غير مألوف في السياسة الأميركية.
السيناريوهات السياسية وطموحات ترامب المستمرة
وحذر الباحث من أن ما يحدث يتجاوز مجرد جدل سياسي، مشيراً إلى تصريحات سابقة لستيف بانون، أحد أبرز الاستراتيجيين في حملة ترامب السابقة، كشفت عن نوايا دفينة لبقاء ترامب في السلطة لفترة ثالثة.
وقال عباس: “بانون تحدث صراحة عن إمكانية أن يصبح ترامب رئيساً لفترة ثالثة، وهناك من يضع تصوراً لتحقيق ذلك، رغم القيود الدستورية الصارمة”.
وحذر من أن ترامب وحلفاءه من التيار اليميني المتشدد قد يسعون إلى “تحييد المؤسسات” الأميركية عن المشهد السياسي أو تعديل مواد دستورية تطيل مدة الحكم، ما يشكل خطراً حقيقيّاً على التوازن المؤسسي في الولايات المتحدة.
وتحدث عن سيناريوهات بديلة قد يلجأ إليها ترامب للبقاء في المشهد السياسي حتى لو لم يسمح له الدستور بفترة ثالثة، منها أن يدعم مرشحاً مقرباً منه مثل نائبه جيدي فانس، ثم “يحكم من الظل”.
وأضاف: “من الممكن أن يترشح شخص آخر مقرب من ترامب، ويدير هو البلاد من وراء الستار، أو حتى يعود كنائب رئيس، ثم يتنحى الرئيس المنتخب لأسباب صحية أو سياسية، ليعود ترامب إلى السلطة بشكل غير مباشر”.
وأشار إلى أن هذه السيناريوهات، رغم غرابتها، تعكس “فكراً استراتيجياً متجذراً لدى ترامب وفريقه”، القائم على فكرة استعادة السيطرة حتى لو اضطروا إلى تجاوز الأعراف السياسية الأميركية.
وحذر عباس من احتمال تصاعد الصدام بين التيارات المتطرفة، قائلاً: “قد نبدأ بمشاهدة حركات مثل كيو آنون اليمينية المتطرفة تظهر مجدداً، وفي المقابل أنتيفا اليسارية المتشددة قد تعود إلى الواجهة، ما يهدد الشارع الأميركي بتصعيد خطير”.
واختتم الباحث السياسي حديثه بالتأكيد على أن ما قام به ترامب ونائبه جيدي فانس “يساهم في تأجيج الانقسام الداخلي بشكل خطير”، وأن المزاح والسخرية حين تصدر من رأس الدولة لا تبقى بلا أثر.
ورأى أن الفيديو، رغم أنه صُنع بطابع كوميدي، يحمل في جوهره رسالة سياسية عنوانها “التحدي والهيمنة”، وهو ما قد يعمق الشرخ بين الرئيس ومواطنيه، ويدفع الولايات المتحدة إلى موجة جديدة من الاضطراب السياسي والاجتماعي.
وختم قائلاً إن الولايات المتحدة تواجه اليوم اختباراً بين حرية التعبير واحترام المنصب، مضيفاً أن “الاستفزاز الرئاسي قد يشعل مزيداً من الغضب الشعبي، في وقت لا يبدو فيه ترامب راغباً في التراجع خطوة إلى الخلف”.