التوترات والهدنة الهشة في غزة
تشير التطورات الأخيرة إلى هشاشة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، فبالرغم من إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار إلا أن أحداث يوم الأحد أظهرت أن الاتفاق يواجه اختباراً صعباً في الأيام القادمة.
في ذلك اليوم، أعلنت إسرائيل مقتل جنديين من جنودها، في حين نفت حماس تنفيذ هجوم، ثم رد الجيش الإسرائيلي بقصف مكثف استهدف عشرات المواقع جنوب قطاع غزة، ما عمّق التوتر وكشف هشاشة المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار.
تطرح هذه التطورات أسئلة حول قدرة الاتفاق على الانتقال إلى المرحلة الثانية، خصوصاً في ظل وجود اعتراضات إسرائيلية حول الشروع في المرحلة التالية قبل عودة الرهائن وتوفير ضمانات لنزع سلاح حماس.
ورغم إعلان إسرائيل أن الاتفاق “لا يزال سارياً” عقب تدخل أميركي مباشر، فإن الواقع على الأرض يظهر هشاشة هذا الهدوء النسبي.
جسّدت الوساطة الأميركية بإيفاد مبعوثين إلى تل أبيب، ثم وصول مسؤول كبير إلى إسرائيل لمتابعة التنفيذ، في محاولة لدفع الأطراف نحو الالتزام.
وتطرح الولايات المتحدة رؤية تقوم على تحويل وقف النار إلى ترتيبات أمنية متعددة الجنسيات داخل غزة، مع وعد بمساعدات اقتصادية كبيرة.
وتؤكد تقارير إسرائيلية أن الجيش لا يستطيع تنفيذ عمليات جديدة في رفح أو مناطق أخرى من دون موافقة إدارة الولايات المتحدة، التي باتت صاحبة القرار النهائي في إدارة الصراع، مع إشراف وتنسيق عبر وسطاء من قطر وتركيا ومصر.
داخل غزة، تواجه حركة حماس تمرداً من عائلات ومجموعات محلية، فاضطرت إلى إجراءات قمعية تشمل إعدامات علنية واعتقالات واسعة لخصومها، ما يعكس توتراً داخلياً يهدد استقرار الحركة.
وقالت حركة فتح إن ممارسات حماس تمثل امتداداً لمخططات الاحتلال لتفكيك المجتمع الفلسطيني، مؤكدة أن الحركة التي حكمت غزة منذ انقلاب 2007 ما زالت تمضي في الطريق نفسه باستخدام القوة والتهديد لإخضاع الناس وإسكات كل صوت حر.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن لديها تقارير موثوقة عن نية حماس شن هجوم وشيك ضد المدنيين في غزة، باعتبار ذلك خرقاً للهدنة وسيؤثر على التقدم الذي أحرزته الوساطة.
الانتقال إلى المرحلة الثانية والمواقف المتقلبة
ترفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة التالية قبل ضمانات واضحة بنزع سلاح حماس واسترداد جثامين الرهائن، إذ تتحدث الأنباء عن أن حماس سلمت حتى الآن 13 جثة من أصل 28 جثة موجودة في قطاع غزة.
ويضغط التحالف اليميني في تل أبيب لفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على القطاع، رافضاً أي تسوية تترك لحماس دوراً.
من جانبها تصر حماس على رفض التجريد من السلاح، وتعمل على إعادة تنظيم بنيتها الأمنية في المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية.
وفي وقت سابق، ذكرت نيويورك تايمز أن إطلاق سراح الرهائن ووقف الحرب يظل أمراً صعباً رغم طول أمد النزاع، ويحتاج إلى جهود مباشرة من الرئيس الأميركي وقادة عدة دول عربية وإسلامية.
وتوضح الصحيفة أن دفع حركة حماس لتخليها عن أسلحتها ونزع السلاح بشكل كامل قد يكون أصعب من المطالب الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل اشترتط ذلك قبل انسحابها الكامل من القطاع.
قضايا إقليمية وتطورات محتملة
يشير المحللون إلى أن تركيا وقطر ما زالتا تدعمان بقاء حماس كجزء من ترتيب سياسي فلسطيني، فيما تركّز الدول الخليجية على الاستقرار وربط التمويل بإصلاحات فلسطينية داخلية.
أما إيران فتراقب الوضع عن كثب وتُركز جهودها على حماية نفوذها في العراق وسوريا بعد خسارتها أدواتها في غزة ولبنان.
أما مصر فتعبر عن قلقها من فراغ أمني محتمل على حدودها وتدعو لتفعيل قوة مراقبة عربية محدودة جنوب القطاع، بينما تحذر الأمم المتحدة من انهيار إنساني وشيك مع استمرار القيود على دخول المساعدات.
توقعات مستقبلية ومسار الوضع في المنطقة
يعتقد المحللون أن هناك تراجعاً في حضور السلطة الفعلية لحماس وتفككاً في وحداتها العسكرية قد يؤدي إلى صراعات داخلية فلسطينية، وفي إسرائيل يواجه رئيس الوزراء ضغوطاً متزايدة نتيجة الانتقادات الداخلية والتدخل الأميركي، في حين يتزايد دور واشنطن الميداني في غزة كملف اختبار لقادتها وتزداد الفجوة بين الرؤى الأميركية والإسرائيلية بين “السلام الاقتصادي” و”الأمن الكامل”.
ويتوقع أن تواصل الهدنة الهشة حضورها مع حوادث متفرقة وتزايد للخطاب الإعلامي من الطرفين دون اندلاع حرب شاملة، كما قد تشهد المنطقة وجود قوة مراقبة عربية تقودها مصر والأردن بشكل رمزي وتدريجياً قد يبرز انشقاق داخلي في حماس وتزايد احتمال نشوب اقتتال فلسطيني داخلي، إلى جانب ضغوط أميركية على إسرائيل لتبني رؤية سياسية شاملة للضفة الغربية وقطاع غزة معاً.
في نهاية المطاف يبدو أن اتفاق غزة، رغم ضرورته، يواجه تحديات جوهرية قد تقود إلى تأسيس نظام شبه وصاية دولية وعربية على القطاع، وتراجع دور محور المقاومة كفاعل موحد، وبدء إعادة تشكيل الخريطة السياسية الفلسطينية داخلياً.