يعكس تمسّك الميليشيات الموالية لإيران بسلاحها تموضعًا استراتيجيًا يبرز دور السلاح في الحفاظ على النفوذ والضغط السياسي وفرض شروط في مفاوضات مستقبلية.
هذا التمسك بالسلاح ليس مجرد مسألة أمن عسكري، بل يرتبط بالسيادة الوطنية والتوازن الإقليمي والأيديولوجيا الإيرانية، إضافة إلى دور هذه الجماعات في رسم ملامح النفوذ في الشرق الأوسط.
تتصدر جماعات مثل حزب الله في لبنان قائمة الفاعلين الذين يرون أن نزع السلاح ليس خيارًا، معتبرين أن الأسلحة تمثل ضمانة الدفاع عن السيادة اللبنانية في مواجهة أي اعتداء خارجي محتمل.
تشير تقارير غربية إلى أن الحزب كثف في الفترة الأخيرة إعادة تموضعه وبناء قوته، ما يوحي بعدم رغبته في التخلي عن ترسانته العسكرية.
يرى الحوثيون في اليمن أن السلاح جزء لا يتجزأ من صمودهم ضد ما يسمونه العدوان الإسرائيلي والأميركي، كما يُستغل لدعم غزة وإسنادها في مواجهة الضغوط.
في العراق، يؤكد الحشد الشعبي أن السلاح ضروري للتموضع الإقليمي، وأن نزع السلاح يعني تفكيك المقاومة أمام الضغوط الأمريكية، بينما يرى حزب الله العراقي أن سلاحه ضمان لاستقلالية القرار.
حركة النجباء في العراق تعتبر الإصرار على عدم التخلي عن السلاح جزءًا من مواجهة محاور خارجية، في حين تشدد العصائب على أنها لن تتخلى عنه إلا بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
هذا الموقف يوضح أن السلاح ليس مجرد أداة عسكرية، بل ركيزة أساسية للحفاظ على النفوذ والمكانة الاستراتيجية لهذه الميليشيات في لبنان والعراق واليمن وفلسطين.
الدور الإيراني: دعم الحركات التحريرية محور استراتيجي
يقول عماد أبشناس، رئيس تحرير إيران ديبلوماتيك، بأن الدستور الإيراني يلزم الحكومة بدعم كل حركات التحرير للشعوب التي تواجه الاحتلال والاعتداءات الأجنبية.
هذه السياسة تُترجم عمليًا في دعم ميليشيات المقاومة المسلحة عبر التمويل والتدريب وتوفير الأسلحة، رغم الضغوط الدولية التي تواجه إيران، لأنها تعتبر هذه السياسة جزءًا من نفوذها الاستراتيجي في المنطقة ومواجهة الكيان الصهيوني.
الجدل حول فاعلية المقاومة
يشير الباحث حارث سليمان إلى أن بعض الزعماء الإيرانيين ومؤيدي محور المقاومة يبالغون في دور هذه الميليشيات في مواجهة إسرائيل، مستندين إلى روايات تاريخية غير دقيقة.
ويضيف أن هذه الميليشيات، رغم ترسانتها، لم تخض مواجهات مباشرة مع القوات الأمريكية أو الإسرائيلية، بل أدارت صراعات طائفية محلية واستباحت حقوق مناطق في العراق وسوريا لخدمة أجندة إيران وتعزيز نفوذها.
في غزة، يرى سليمان أن دعم إيران لحركة حماس كان جزءًا من إدارة الانقسامات لصالح اليمين الإسرائيلي، وليس لتحقيق مقاومة حقيقية، فاستمرار السلاح يعكس شبكة تحالفات ومصالح إقليمية.
بعد 7 أكتوبر.. إعادة رسم موازين القوى
بعد أحداث 7 أكتوبر، تغيرت المعادلة ليس فقط للفلسطينيين بل للمجتمع الدولي، حيث أصبح العالم أكثر وعيًا بحق الشعب الفلسطيني وتناول قضية فلسطين على نحو أوسع عبر الساحة الدولية.
الميليشيات الموالية لإيران تستغل هذا التحول للحفاظ على سلاحها كأداة ضغط استراتيجية، لا تقتصر على إسرائيل بل تشمل القوى الإقليمية والدولية وتمنحها قدرة على التأثير في التوازنات والمعايير في أي مفاوضات مستقبلية.
البعد الرمزي والأيديولوجي
السلاح بالنسبة لهذه الميليشيات ليس مجرد أداة قتالية، بل رمز للمقاومة والممانعة، فيرى كل من حزب الله والحركات العراقية أن أي نزع للسلاح تهديد لتفكيك محور المقاومة وأيديولوجيته التي تعتبر مواجهة الاحتلال جزءًا من وجودها.
يبرز هذا البعد الرمزي تفسيرًا قويًا لإصرارهم على السلاح رغم الضغوط الدولية، كما يجعل أي اتفاق على نزع السلاح عملية معقدة لأنها تمس بكيان هذه الجماعات ووجودها السياسي على الأرض.
إيران والحركات التحريرية.. تاريخ من الدعم والمشاركة
يتكرر تاريخ إيران في دعم الميليشيات، فبالنسبة للبنان دعمت إيران حزب الله في مواجهة الاحتلال، وفي سوريا دعمت نظام الأسد، ولا تزال تدعم الميليشيات في مناطق مثل حلب تحت شعار المقاومة.
في العراق تشير تقارير إلى دور إيران في إعادة تشكيل محاور وتوجيه الديناميات لمصالحها وتحقيق تحالفات مع الولايات المتحدة والجهات الأخرى بما يعزز نفوذها.
نقد المزاعم… المقاومة والإسرائيليين
ينتقد بعض الباحثين الروايات التي تروج بأن المقاومة منعت إسرائيل من احتلال كامل المنطقة أو حررت الجولان، ويؤكدون أنها لم تتحقق فعليًا، بينما ساهمت في تقسيم المجتمع الفلسطيني وتثبيت النفوذ الإقليمي.
كما يشيرون إلى أن دعم إيران لحماس كان جزءًا من إدارة الانقسامات وليس لإحداث مقاومة موثوقة، ما يجعل استمرار السلاح جزءًا من شبكة مصالح وتحالفات أكثر تعقيدًا من مجرد قدرات قتالية.
الاحتفاظ بالسلاح بالنسبة للميليشيات الموالية لإيران يمثل أولوية تفرضها التحديات الإقليمية، وهو ليس خيارًا عسكريًا فحسب بل سِمـة للهوية السياسية والاستراتيجية في منطقة تتسم بالتقلب والصراع المستمر. وبعد أحداث 7 أكتوبر، تصبح الأسلحة أداة لإعادة رسم موازين القوى وضمان وجود محور المقاومة ونفوذ إيران، مما يفتح باب الأسئلة أمام مدى قدرة المجتمع الدولي على فرض آليات نزع السلاح ومدى استعداد هذه الميليشيات للتخلي عن أدوات وجودها الأساسية.