قراءة في مرحلة ما بعد عباس وتوازنات الشرعية
تشير التحليلات إلى أن مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس تمثّل إحدى أكثر المراحل حساسية في تاريخ السلطة الفلسطينية، فبينما نجح عباس في تثبيت مركزية القرار بيد القيادة الحالية، أُضعفت البنية المؤسسية التي كان يمكن أن تضمن انتقالاً سلساً للسلطة من بعده.
تؤكد التطورات أن غياب التوافق الداخلي يجعل أي مرحلة انتقالية مرشحة للنزاع، فالانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة ليس مجرد تقاسم جغرافي بل بنيوي أدى إلى تشكيل نظامين سياسيين بعقلين مختلفين: الأول يسير وفق منطق السلطة التقليدية، والآخر وفق منطق المقاومة.
يرى أبو زنيط أن فتح تعاني أزمة هوية داخلية بين تيار يحافظ على إرث أوسلو والعلاقات مع واشنطن، وآخر يرى أن تلك المرحلة انتهت وأن الشعب الفلسطيني بحاجة لقيادة أقرب إلى نبض الشارع، وهو ما يعيد طرح اسم مروان البرغوثي بقوة.
البرغوثي كمرشح محتمل وحدود الفرصة
يمثل البرغوثي شخصية توحيدية قادرة على الجمع بين شرعية النضال وشرعية التنظيم، وهذا ما يجعله خياراً مفضلاً لدى قواعد فتح إن أُتيح له المجال السياسي. لكنه يشير إلى أن إسرائيل لن تسمح بخروجه من السجن بسهولة لأنها تدرك أن ذلك سيغيّر المعادلة الفلسطينية الداخلية.
يُرى الحديث عن البرغوثي بأنه ليس مجرد رمز عاطفي، بل تعبير عن رفض شعبي للواقع السياسي الراهن، إذ يراها كثيرون مرشحاً قادراً على استعادة الشرعية المفقودة. ومع ذلك يحذر من أن البرغوثي وحده لا يستطيع إنقاذ النظام إذا لم تُوجد وحدة وطنية وتُجدد مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية واضحة، فاستمرار الانقسام سيجعل أي خليفة عباس ضعيفاً مهما كانت مكانته الرمزية.
شهاب: الخلافة ستتحدد في الميدان السياسي لا في الصندوق
يرى أمجد شهاب أن الحديث عن انتخابات حرة بعد عباس أقرب إلى وهم سياسي، لأن البناء الحالي لا يسمح بإجراء اقتراع شفاف في ظل الانقسام وتعدد الولاءات الأمنية. وتبيّن التجربة أن السلطة تميل لتغليب الاستقرار على التغيير، ما يجعل الخلافة المقبلة نتاج توازنات داخلية وإقليمية أكثر من إرادة الناخب.
يقول شهاب إن فتح تخشى من فراغ في السلطة وبالتالي بدأت منذ الآن تثبيت شخصيات قادرة على استمرار النهج الحالي، في إشارة إلى أسماء مثل حسين الشيخ وماجد فرج، لكنها تفتقر إلى الحاضنة الشعبية. وبقاء الوضع على ما هو عليه يفتح الباب أمام انوسع نفوذ حماس في الضفة الغربية.
حماس.. لاعب ينتظر لحظة الفراغ
يراه شهاب كحالة تراهن على لحظة انتقال السلطة كفرصة لإعادة صياغة موقعها في المشهد الفلسطيني، وتتحرك بحذر لتفادي الصدام مع السلطة في الضفة وتعمل على توسيع حضورها التنظيمي والاجتماعي تمهيداً لأي فراغ قادم. تمتلك حماس أدوات ضغط إقليمية من خلال علاقاتها بمحور المقاومة ورصيداً من الشرعية الميدانية المكتسبة في صراعاتها مع إسرائيل، ما يمنحها قدرة على فرض حضورها في أي ترتيبات مستقبلية.
يحذر من أن أي صدام بين فتح وحماس في لحظة غياب عباس قد يؤدي إلى سيناريو لبنان أو العراق، حيث تتعدد مراكز القوة وغياب القرار الموحد، ما قد يفرّق النظام السياسي الفلسطيني بالكامل ويهدد بتفكيكه.
الشارع الفلسطيني بين الإنهاك والانتظار
يتفق أبو زنيط وشهاب على أن الشارع الفلسطيني تعب من الصراعات الفصائلية، وأن الثقة بالقيادة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ تأسيس السلطة. يرى أبو زنيط أن المواطن لم يعد يرى في مؤسسات السلطة سوى رمز إداري بلا مشروع، في حين يشير شهاب إلى أن الجيل الشاب يبحث عن بديل يعيد المعنى الوطني ولا يرضى بتصارع النخبة.
ويشيران إلى أن حالة الجمود قد تفتح المجال أمام قوى شبابية أو ميدانية جديدة، خصوصاً في الضفة الغربية حيث تضعف قبضة السلطة وتزداد المبادرات الفردية المقاومة للاحتلال.
نظام بلا وريث واضح
في ختام قراءتهما، يرى المحللان أن المرحلة المقبلة ستُحدَّد بمدى قدرة القوى السياسية على الاتفاق قبل رحيل عباس، لا بعدها. غياب التنسيق سيحوّل الخلافة إلى أزمة مفتوحة، بينما استمرار الانقسام يعزز سلطة الواقع في غزة والضفة معاً.
يخلص شهاب إلى أن أي انتقال سلس للسلطة يتطلب تفاهمات داخلية برعاية إقليمية واضحة، بينما يرى أبو زنيط أن الوقت يضيق أمام إصلاح النظام السياسي من الداخل، محذراً من أن التأجيل المستمر للحسم قد يجعل ما بعد عباس فترة اضطراب طويلة، لا انتقالاً منظماً للقيادة.







