كثّفت منصات تابعة لتنظيم الإخوان وداعمة للجيش منذ الساعات الأولى لسقوط السيطرة على مدينة الفاشر بنشر كمّ ضخم من الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر ارتكابات وانتهاكات خطيرة في حق المدنيين، وتظهر فيها عناصر من الدعم السريع يطلقون النار على أشخاص عزّل بأزياء مدنية أو ينكّلون بهم، فضلاً عن صور وجثث ملقاة على الأرض، من بينها نساء وأطفال.
لكن تحقيقات منصات متخصصة في كشف التضليل أكدت أن معظم تلك المقاطع والصور كانت غير صحيحة، فهي إما مولّدة بالذكاء الاصطناعي أو مفبركة أو مقتطعة عن سياقها الصحيح أو تعود لأحداث ليست لها علاقة بالسودان أصلاً.
واستندت بعض القنوات والوكالات الإخبارية وحتى بعض المنظمات الحقوقية في تقاريرها عن الانتهاكات التي ارتُكبت في الفاشر إلى تلك المقاطع المضللة.
ورغم إقرار التحالف الذي يضم قوات الدعم السريع بوجود انتهاكات فردية، وتعهده بالتحقيق فيها والقبض على بعض المتهمين، قال تحالف تأسيس إن نشر وضخ المقاطع والصور المضللة هدفه تضخيم ما حدث في الفاشر وتضليل الرأي العام المحلي والدولي.
وتنشط الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023 بيئة خصبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة، حيث يعمل كل طرف من أطراف الحرب على نشر كم هائل من المعلومات والصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بالشكل الذي يخدم خطه.
تضليل واسع
رصدت التحقيقات العديد من المواد المضللة المنشورة على منصتي “إكس” و”فيسبوك”، والتي تم تداولها بشكل واسع في قنوات فضائية ومواقع إخبارية، منها صورة امرأة معلقة على شجرة مع طفلين في منطقة ما، مدعوة أنها قتلها على يد “الدعم السريع” في الفاشر.
وتم تداول الصورة على نطاق واسع، لكن تقريراً صادراً عن مرصد PEM المتخصص في كشف التضليل أكد أن الصورة مضللة ولا صلة لها بالسودان، مشيراً إلى أنها نُشرت في 18 فبراير 2025 على منصة X كحادثة في تشاد، ثم تكررت لاحقاً في سياق أحداث عنف في مالي.
ومن ضمن الصور المتداولة التي رصدها فريق PEM صورة تُظهر امرأة تحتضن طفلاً وتظهر ظلال رجال يحملون بنادق أمامها، وتعود إلى ادعاء أنها توثق تعرض امرأة وطفلها للقتل على يد الدعم السريع في الفاشر، لكن تحقيقات PEM أثبتت أن الصورة مجتزأة من مقطع فيديو مولّد بالذكاء الاصطناعي نشره حساب على إنستقرام.
وفي سياق نفسه، نشرت العديد من الحسابات على فيسبوك صورة مجموعة من النساء ملقاة على الأرض، بزعم أنها ضحايا “الدعم السريع” في الفاشر. وبفحص PEM، تبين أنها مأخوذة من مقطع فيديو قديم نُشر في أغسطس الماضي ضمن سياقات مختلفة، منها تونس وأذربيجان.
ووفق الصحفي المتخصص في مكافحة التضليل الإعلامي وتدقيق المعلومات محمد المختار محمد، فإن الفيديوهات والصور المضللة التي استُخدمت في الحملة بعضها حقيقي تم التلاعب في سياقه وبعضها مصنوع تماماً.
وأوضح أن من بين المقاطع الحقيقية التي جرى التلاعب في سياقها ذلك المقطع الذي نُشر على أنه يظهر طفلين قتلت أمهما في الفاشر، في حين أن المقطع طفلاْن نجيا من قصف جوي في كردفان أدى لمقتل شقيقهما وإصابة الأم في سبتمبر الماضي.
ويقول محمد لموقع سكاي نيوز عربية إن الصور والمقاطع المضللة غالباً ما تخرج الحادثة عن سياقها الصحيح وتثير التعاطف وتولد الغضب، ما يشير إلى وجود شبكات تضليل لها إمكانات عالية وخبرة كبيرة.
إضرار الضحايا يحذر تقرير PEM من أن نشر أي محتوى غير متحقق منه في سياق الانتهاكات يؤدي إلى إلحاق الضرر بالضحايا ويمنح الجهات المسؤولة عن الانتهاكات ذريعة للنفي والتشكيك في صحة الصور وتقديم سرديات بديلة، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في الأدلة الرقمية وإضعاف حجيتها أمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية، ويسهم في إزهاق العدالة في نهاية المطاف.
ويضيف التقرير أن الانتهاكات التي شهدت الفاشر وما رافقها من محتوى مضلل على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أهمية التحقق من أي محتوى غير المصدر، إذ يعزز المحتوى الكاذب من وجود نِسَبٍ لخلفيات متداخلة ويضعف من مصداقيته كدليل أمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية.







