عاد جود بيلينجهام ليبتسم من جديد ويتضح ذلك في أدائه داخل الملعب؛ لم يعد يلعب مكبَّلاً أو مقيداً، ولم يعد يفكر في كتفه الذي كان يذكّره في كل التحام بأنه لم يتعافَ تماماً بعد.
يعانق الآن الطيران بلا درع ويستعيد النسخة المشرقة التي أبهرت جماهير البرنابيو في موسمه الأول مع ريال مدريد.
تخلّى الإنجليزي عن الثقل الذي يعيقه، وعاد ليكون اللاعب الذي يلهم زملاءه ويقود الفريق داخل الملعب.
هبط في مدريد قبل موسمين حاملاً حقيبة مليئة بالحماس والموهبة، ارتدى القميص رقم 5 وبدأ دورة مكثفة إلى جانب كروس ومودريتش، الأسطورتين اللتين تقترب مسيرتهما من نهايتها.
قال بيلينجهام في يومه الأول: “آمل أن أتعلم كل ما أستطيع، وسأحاول أن أظل قريباً منهما، وأتمنى ألا يمانعا ذلك”، وكانت تلك دروساً مكثفة غيّرت طريقة لعبه تماماً وارتقت بها إلى مستوى آخر.
قرار أنهك صبره
لم يكن الأمر متعلقاً بالأرقام فقط، بل بطريقته في فهم اللعبة وخطواته وأناقة حركته التي ذكّرت الجمهور بزيدان، وأسرته شخصية ريال مدريد؛ كان يعطي كل ما لديه في كل لقطة من دون أن يفقد لمسته الساحرة.
فاز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا، وكان بيلينجهام عنصراً محورياً في منظومة أنشيلوتي، ثم بلغ المركز الثالث في ترتيب الكرة الذهبية، فالوصول إلى القمة أسهل من البقاء هناك، وهناك سقط كثيرون، وواجهه هو أيضاً صعوبات.
استمر في اللعب رغم الألم لعدة أشهر بسبب إصابة في الكتف، وهو ما ترك أثراً ثقيلاً عليه.
وصلت كأس العالم للأندية وتشكّلت فرصة لإنقاذ الموسم، ولم يرغب الإنجليزي في تفويت بداية حقبة ريال مدريد الجديدة تحت قيادة تشابي ألونسو، فضغط على نفسه رغم أن جسده يئن طلباً للراحة.
قال بيلينجهام: “لقد انتظرت طويلاً ونفد صبري، أريد أن أشعر بالحرية الآن؛ اللعب بالحمالة مرهق جداً، لدي جراحة مقررة بعد البطولة”، معترفاً بذلك لتخفيف الضغط عن نفسه مستقبلاً.
كان من المفترض أن تبعده العملية عن الملاعب ثلاثة أشهر، لكن العمل المستمر قلّص فترة التعافي بشكل ملحوظ.
وعاد قبل الأوان من دون أن يتعافى تماماً، فكانت بداية الضربة الأولى في ملعب ميتروبوليتانو حيث لم تكن حالته البدنية بمستوى المطلوب، ثم عاد إلى مقاعد البدلاء مصمماً على استعادة عافيته بالكامل.
خلال التوقف الدولي اتفق مع مدربه في المنتخب على البقاء في فالديبيباس لاستعادة لياقته، ونجحت الخطة.
قال تشابي ألونسو: “تحسّن بيلينجهام أكثر مما كنا نتوقع بعد فترة التوقف الماضية، جود يعتمد كثيراً على الإحساس ونقل الشعور والتواصل مع الفريق، ولهذا قدّم مباريات رائعة مؤخراً”.
وقال بيلينجهام قبل الكلاسيكو: “أنا قوي وإيجابي، وربما في أفضل حالة بدنية لي منذ فترة طويلة”، وأثبت ذلك أمام خيتافي ثم أمام يوفنتوس، وخاصةً في مواجهة برشلونة.
أصبح أكثر مشاركة، أكثر شراسة، وأكثر حرية، فخلال مواجهة برشلونة كان أكثر لاعبي ريال مدريد لمساً للكرة (53)، والأكثر تسديداً (5 تسديدات، بالتساوي مع مبابي)، كما جاء رابعاً في عدد الكرات المسترجعة (5).
سجل ثلاثة أهداف وقدم تمريرة حاسمة في آخر ثلاث مباريات، مع إحساس واضح بأن كل شيء يعبره حالياً من خلاله.
وفي أحدث تواصل بين أردا جولر ومبابي، كان هو من افتتح التسجيل بتمريرة فتحت الدفاعات وتغيّر مجرى المباريات.
قال تشابي ألونسو موضحاً: “مركز بيلينجهام شيء، لكن ما يحدث قبل أن تصل إليه الكرة شيء آخر؛ عندما سجل هدفه، كان في وضع مثالي بالنسبة له، نحن نعمل على إيصال الكرة إليه هناك، وعندما نجده في هذا الرابط بين الخطوط، يكون أكثر حسماً، يمتلك الجودة التي تمكّنه من التراجع أحياناً، وسيأتي اليوم الذي سيلعب فيه هناك، اليوم وجدناه في المكان المناسب وقدّم أداءً رائعاً”.
عاد صاحب القميص رقم 5 ليكون صانع ألعاب حقيقياً، مؤثراً في بناء الهجمات ويتمتع بحرية اتخاذ القرار.
وفي تلك المنطقة التي يتخيّلها له ألونسو، يستعيد بيلينجهام مستواه شيئاً فشيئاً، ومن دون أن يكون مقيّداً بأدوار دفاعية ثقيلة، يحلّق جود مجدداً.







