رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | السودان بين رصاص البدايات وقرارات النهايات.. من يحسم؟

شارك

يستمر الجدل في السودان حول الجهة التي بدأت الاشتباكات العسكرية، غير أن الإشكال الأكبر اليوم لا يبدو في تحديد الرصاصة الأولى بقدر غياب من يمتلك قرار الرصاصة الأخيرة لإنهاء الحرب.

فالصراع، منذ اندلاع مواجهاته الواسعة، تحوّل إلى معادلة معقدة تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والسياسية والمجتمعية، ما يجعل الوصول إلى تسوية نهائية أمراً بالغ الصعوبة.

تضارب الروايات حول الشرارة الأولى

يؤكد الجيش أن الأزمة بدأت بتحركات مريبة لقوات الدعم السريع في محيط مطار مروي وداخل العاصمة، في مخالفة بحسب وصفه لاتفاقات الانتشار، ويشير إلى أن قواته تعاملت مع هذه التحركات باعتبارها تهديداً مباشراً.

في المقابل، تقول قوات الدعم السريع إن وجودها في المواقع المشار إليها تم بموجب تفاهمات مسبقة، وإن الجيش هو من بدأ الهجوم المسلح.

اتهامات للحركة الإسلامية

يضيف خالد عمر، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني وقيادي بتحالف صمود، رواية تتهم عناصر من الحركة الإسلامية حتى عام 2019 بالعمل على إشعال الحرب لاستعادة النفوذ السياسي ومنع الانتقال المدني.

وبينما تنفي قيادة الجيش أي صلة سياسية لقراراتها، تتهم قوى الحرية والتغيير بمحاولة تصوير الجيش كطرف مناهض للتحول المدني.

بيئة انفجار قابلة للاشتعال

اندلعت المواجهات في منطقة حضرية مكتظة بالسكان، وفي سياق أمني هش يضم انتشاراً واسعاً للسلاح، كما أن الطرفين يملكان امتدادات جغرافية واسعة؛ الجيش في الشرق والدعم السريع في الغرب.

وتزامن ذلك مع انهيار الخدمات الأساسية وتراجع مؤسسات الدولة، ما جعل الصراع يتوسع بسرعة.

يرى الكاتب فايز السليك خلال حديثه أن الحرب لم تبدأ بإطلاق النار، بل سبقتها حالة تعبئة سياسية وأمنية.

ويعتبر أن الحركة الإسلامية عملت منذ سقوط نظام البشير على خلق بيئة مناسبة للمواجهة، مستشهداً بتصريحات قيادات بارزة داخلها، منها حديث علي عثمان محمد طه عن “كتائب الظل” كإشارة مبكرة على استعدادات مسبقة لأي صراع.

كما يشير إلى حوادث إطلاق النار على المتظاهرين خلال فترة الاعتصام أمام القيادة العامة، كجزء من مسار طويل يقود نحو المواجهة.

ويؤكد أن احتمال اندلاع الحرب كان قائماً قبل أبريل بكثير، ولا سيما خلال يونيو 2021 حين حدثت مشادات بين البرهان ومحمد حمدان دقلو، ويؤكد أن تدخل حكومة عبدالله حمدوك وقيادات قوى التغيير أحبط حينها تفجر الصراع.

كما يشير إلى أن كوادر الحركة الإسلامية أعلنت مراراً رفضها إكمال الانتقال السياسي وتمرير الاتفاق الإطاري، الذي كان يهدف إلى بناء جيش قومي موحّد ودمج قوات الدعم السريع.

15 أبريل.. يوم الرصاصة الأولى

بحسب السليك، الشرارة الفعلية وقعت في المدينة الرياضية بالخرطوم حين حوصرت قوة من الدعم السريع داخل الموقع بواسطة قوات أخرى قدمت من خارجه، قبل أن يبدأ إطلاق النار.

ويرى أن عناصر من الحركة الإسلامية لعبت دوراً أساسياً في هذه اللحظة، بينما لم يكن قادة الجيش أنفسهم على علم دقيق بتوقيت بدء الاشتباك.

ويضيف أن بعض الأطراف رغبت في فرض الحرب رغماً عن إرادة القادة العسكريين، بهدف إعادة تشكيل موازين القوة ومنع الوصول إلى سلطة مدنية.

ويلفت إلى أن المدنيين لم يكن بإمكانهم معرفة مستوى التوترات قبيل اندلاع الحرب، ما حال دون ضغط شعبي أو احتجاجات سلمية.

ويقول إن المعلومات المتعلقة باحتمال التصعيد كانت محصورة في نطاق ضيق، وإن انكشافها لاحقاً أظهر حجم القصور في الشفافية.

حرب متعددة الطبقات

يؤكد السليك أن الحرب ليست مجرد مواجهة بين قوتين، بل صراع مركب يضم: انقسامات مجتمعية وإثنية، وأجندات سياسية متنافسة، وارتباطات إقليمية، واقتصاديات حرب، وتوسع عسكرة المجتمع.

ويحذر من أن الحرب أصبحت بالنسبة لبعض الفئات مصدر دخل وثقافة معيشية، الأمر الذي يزيد صعوبة إنهائها.

إمكانات إنهاء الحرب.. وواقع التعقيدات

من الناحية النظرية، يمتلك قادة الجيش والدعم السريع القرار العسكري لوقف إطلاق النار. لكن تعدد القوى المتداخلة وتآكل مؤسسات الدولة وارتفاع حجم الخسائر الاقتصادية والبشرية يجعل قرار الإنهاء أكثر تعقيداً.

ويرى فايز السليك أن السودان يمكن أن يخرج من الحرب إلى مسار دولة مستقرة وقوية إذا أغلقت دورة النزاعات، على غرار تجارب دول شهدت حروباً أهلية طويلة، إلا أن ذلك يبقى مرهوناً بقدرة الأطراف على تجاوز الحسابات الضيقة.

ويرفض السليك القول إن ثورة ديسمبر أدت إلى الحرب، مؤكداً أن الصراعات المسلحة في السودان ممتدّة منذ 1955، وأن أسباب الحرب الحالية تتعلق بتعطيل مصالح قوى مرتبطة بالنظام السابق.

ويشير إلى أن الثورة واجهت منظومة مهيمنة لا ترغب في التخلي عن السيطرة على الدولة ومؤسساتها.

مقالات ذات صلة