شهدت الزيارة مباحثات واسعة بين الرئيس أحمد الشرع وأعضاء وفد مجلس الأمن حول الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية خلال الأسابيع الماضية، واعتبار هذا الملف من الأولويات المطروحة أمام المجتمع الدولي في ضوء التطورات الميدانية في الجنوب.
فرصة للتعاون الدولي
اعتبر الباحث السياسي حازم الغبرة زيارة وفد مجلس الأمن إلى دمشق تاريخية وتكتسب أهمية كبيرة على المستويين السياسي والدبلوماسي.
وأوضح الغبرة أن سوريا في العقود الماضية كانت تذكر في مجلس الأمن لأسباب سلبية مرتبطة ببطش النظام السابق ودوره في زعزعة السلم الأهلي ونشر الإرهاب والمخدرات، أما اليوم فهناك فرصة حقيقية للعمل المشترك بين الحكومة السورية ومجلس الأمن.
وأشار إلى أن هذه المرحلة تمثل فرصة عملية للعمل من أجل مستقبل أفضل للمنطقة وللشعب السوري، مضيفاً أن الزيارة تهدف إلى إصلاح العلاقة بين سوريا والأمم المتحدة بعد سنوات من الإشكالات التاريخية.
ويرى أن لقاء الوفد الميداني مع عدد كبير من المسؤولين وصنّاع القرار في دمشق يعكس هدفاً واضحاً ومعلناً للزيارة.
وأوضح أن ملف إسرائيل يشكل قضية معقدة أمام المجتمع الدولي، إذ تمتلك إسرائيل هواجس لكنها تفتقر إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع سوريا، فيما تقود الولايات المتحدة الاستراتيجية الدولية في هذا الملف.
وأشار إلى أن أي تعارض بين الأفعال الإسرائيلية والاستراتيجية الأمريكية يؤدي إلى إشكالات تحتاج إلى معالجة عاجلة.
ويؤكد الغبرة أن الأمم المتحدة تمتلك دوراً في فض النزاعات وتسوية الخلافات، لكن الدور الحاسم في المرحلة الحالية هو الدور الأمريكي، خصوصاً في ما يتعلق بملف إسرائيل، لافتاً إلى أن المنظمة الدولية لم تستطع تغيير معادلات الصراع في الشرق الأوسط بشكل فعال، ما يجعل الحاجة إلى دور أمريكي أقوى وأكثر تأثيراً ضرورياً.
واعتبر أن سوريا خلال عهد النظام البائد كانت دولة مارقة في المجتمع الدولي، لكنها اليوم تواجه فرصة حقيقية لتغيير تموضعها داخلياً وخارجياً.
وأوضح أن الحكومة السورية تعمل على تعزيز علاقتها مع الشعب من جهة ومع المجتمع الدولي من جهة أخرى، بما يتيح فرصة للتفاعل الإيجابي مع دول العالم ودعم استقرار الدولة.
وأشار إلى أن الفرصة الحالية تمثل الأساس الذي يجب استثماره، مؤكداً أن نجاح الحكومة السورية يعتمد على التفاعل مع المجتمع الدولي ودعمه، لا على جهود الحكومة وحدها.
ويضيف المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية أن الحكومات الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، تسعى لدعم هذه المرحلة أو على الأقل عدم عرقلة العملية، تفادياً لأي آثار سلبية قد تنتج عن تجارب الماضي.
وأكد الغبرة أن تصحيح الأخطاء السابقة بالتعاون مع الحكومة الجديدة أمر ضروري لضمان عدم تكرارها، مشيراً إلى أن الهدف النهائي لا يقتصر على تحويل سوريا من أزمة إلى دولة مستقرة، بل يشمل التأكد من أن البلاد لن تعود إلى خانة الأزمة مستقبلاً.
دلالات سياسية ودبلوماسية
يرى الباحث السياسي إبراهيم قيسون أن زيارة وفد مجلس الأمن إلى دمشق تحمل دلالات سياسية ودبلوماسية متعددة.
وأوضح أن التوقيت الرمزي للزيارة، عند ذكرى التحرير وبعد موجة اعتداءات إسرائيلية، يمنحها طابعاً احتفالياً وشرعية سياسية، ويتيح استقبال الشكاوى وبث رسائل تهدئة أو تحذير، ضمن جولة تشمل سوريا ولبنان بقيادة رئاسة سلوفينيا للشهر الحالي.
وأشار إلى أن الزيارة لا تعني بالضرورة تحويل سوريا من أزمة إلى دولة مستقرة، فهناك فرق بين التفاعل الدبلوماسي والزيارة الميدانية وبين التحول البنيوي الفعلي في وضع الدولة.
وأوضح أن أي تحول حقيقي يتطلب مؤشرات ملموسة تشمل الاستقرار الأمني الشامل، عمل مؤسسات سيادية بفعالية، قبول إقليمي واسع، وإعادة النظر في آليات العقوبات أو الرقابة الدولية.
ولفت إلى أن الرسائل السياسية التي أراد أعضاء المجلس إيصالها متعددة الطبقات: رسالة إلى دمشق لإظهار استعداد الحوار والاستماع إلى مصالحها، رسالة إلى اللاعبين الإقليميين لإعادة التأكيد على دور الأمم المتحدة كقناة رسمية لمعالجة الانتهاكات، كما أنها رسالة داخلية للأعضاء لإظهار التوافق أو الفروق في المواقف، ورسالة للجمهور السوري لتعزيز شرعية الدولة ودورها الدولي.
وعن انعكاس الزيارة على النقاشات داخل الأمم المتحدة، خصوصاً بشأن الجولان وسيادة السورية، قال قيسون إن دمشق ستقدم شكاوى رسمية ضد الانتهاكات، ما قد يرتفع وتيرة المطالبة بإدانات أو فتح تحقيقات، لكن قدرة المجلس على إصدار قرارات ملزمة تبقى محدودة بسبب الانقسامات وحق النقض.
وأضاف أن الزيارة قد تفتح ملفات إنسانية أو تسهيلات وصول، وهو أثر محتمل أكثر من أي تغيير فوري في الوضع القانوني للجولان.
وفيما يخص المسار المتوقع بعد الزيارة، أكد قيسون أن خطوات قصيرة المدى قد تشمل إحاطات داخلية في المجلس، بيانات مشتركة أو منفصلة، ومبادرات لفتح قنوات إنسانية أو زيارات للمنظمات الأممية.
أما التعاون المباشر في ملفات التعافي وإعادة الإعمار، فقال الباحث إنه سيكون محدوداً ومرتبطاً بعوامل مثل العقوبات الدولية، ومخاوف الدول الكبرى بشأن شرعية التمويل، وآليات الرقابة القانونية.
وأضاف أن المسار مستقبلاً يعتمد على ممارسات إسرائيل عند الحدود وموقف الدول الكبرى داخل المجلس، حيث يحدد هذان العاملان نطاق التعاون الممكن ومستوى استقراره.







