رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

تحرير حمص.. تفكك الطوق الأمني في اتجاه العاصمة الأكثر تحصيناً

شارك

شهد تحرير حمص في هذا اليوم فارقاً حاسماً في انهيار أحد أبرز معاقل النظام البائد في سوريا، فحمص كانت عقدةً استراتيجية في قلب البلاد.

كان تحريرها مرحلة مفصلية في سير معركة ردع العدوان، فهذه المدينة تمثل خط الدفاع الأول عن العاصمة دمشق، التي يحكمها النظام البائد، وهو ما كان يشير إلى انحسار قدراته العسكرية.

تعد حمص أحد أهم مفاتيح المعركة في سوريا، إذ تقع في وسط البلاد، وتشكل نقطة ربط حيوية بين دمشق والمناطق الشمالية والساحلية، مما جعلها هدفاً استراتيجياً للنظام البائد.

إضافة إلى ذلك، مثلت المحافظة شريانا رئيسيا للانتقال العسكري من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب.

ومنذ أن سيطرت ميليشيا حزب الله اللبناني على مدينة القصير في ريف حمص عام 2013، أصبحت المحافظة واحدة من أهم خطوط الإمداد للنظام البائد الذي كان يدرك تماماً أن فقدانها يعني قطع الطريق البري إلى حزب الله في لبنان، وبالتالي تقليص قدرته على التنقل والإمداد بين لبنان وسوريا، ومع الساعات الأولى من السادس من كانون الأول العام الفائت، وصلت فصائل المعارضة إلى كل من الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة في ريف حمص، لتواصل زحفها نحو مركز المدينة.

المقابل لم تمنع الغارات الجوية الروسية التي استهدفت جسر الرستن، تقدم قوات إدارة العمليات العسكرية بشكل سريع، ليشهد مساء اليوم التالي الإعلان عن سيطرت الثوار على مركز مدينة حمص، ما يعني إحكام القبضة على عاصمة الثورة.

تصدع الطوق الأمني حول دمشق المحاطة بترسانة دفاعية قوية من قبل قوات النظام البائد، حيث كانت الحواجز العسكرية، والثكنات العسكرية المدعومة بالحرس الجمهوري والفرقة الرابعة تشكل طوقاً محصناً حول العاصمة.

ومع تقدم الثوار في الجنوب والشرق والغرب، وتراجع قوات النظام أمام هذه الهجمات، بدأ هذا الطوق يتصدع بسرعة غير متوقعة.

في السابع من كانون الأول العام الماضي، وصلت طلائع الثوار إلى ضواحي دمشق الجنوبية، وأصبحت على بُعد عشرة كيلومترات فقط من عمق المدينة التي بدت خاوية من أي حراك عسكري من جهة النظام بالتزامن مع اختفاء الإعلام الموالي للنظام الذي عكس آنذاك حالة من الارتباك.

في هذا السياق، يؤكد الباحث في الشؤون العسكرية رشيد الحوراني في حديثه لموقع الإخبارية، أن الجانب المعنوي كان له دور حاسم في تراجع قوات النظام، مشيراً إلى أن “العامل الداخلي في جيش النظام، كان مرتبطاً بقلق الحاضنة العسكرية من تعنت النظام ورفضه التفاوض مع تركيا، إضافة لتناقل أخبار تقدم قوات ردع العدوان، جعل الجنود يشعرون بأن جيش الأسد انهار فعلياً”.

من المعلوم أن عناصر النظام البائد وخصوصاً الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المكلفين بحماية العاصمة، كانوا يدركون أنهم في موقع المغلوب ولا سيما مع بدء مجموعات من داخل العاصمة دمشق التنسيق مع قيادة العمليات العسكرية للمعارضة، إضافة إلى خروج مظاهرات في مناطق متعددة تهتف لصالح تقدم العملية العسكرية الأمر الذي أدى إلى رفع معنويات المعارضة.

المحطات الرئيسية في انهيار النظام البائد

يرى الحوراني أن هناك ثلاث محطات رئيسية أدت إلى تسارع انهيار النظام البائد، أولها انهيار حلب وتأمينها، حيث شكل تحريرها نقطة تحول رئيسية في سير العمليات العسكرية، ومع فرحة الجماهير الشعبية بانتصار المعارضة في حلب، دفع ذلك المزيد من المدن والمناطق إلى الانضمام للحراك المناهض للنظام.

ثانياً، هو الخطاب الإعلامي لقائد إدارة العمليات العسكرية، الذي كان يطمئن الداخل والخارج بأن المعركة مستمرة وأن حلب ستكون الخطوة الأولى نحو استكمال تحرير باقي المناطق. فهذا الخطاب لعب دوراً كبيراً في تعزيز الروح المعنوية للمعارضة والدول المعنية، في وقت كان فيه الأسد يواصل تعنته وغباءه السياسي.

كما يشير الحوراني إلى أن عدم وجود “خطة باء” لدى النظام كان من العوامل الحاسمة في انهيار دفاعاته.

وتابع: “عدم قدرة النظام على تقدير حجم العملية العسكرية، وعدم تنظيم صفوفه في الوقت المناسب، جعل قوات المعارضة قادرة على السيطرة على المواقع الهامة والانتقال إلى دمشق بسرعة”.

بالإضافة إلى ما سبق، عكس تعامل إدارة العمليات العسكرية الإنساني مع جنود النظام، مثل السماح لهم بالفرار دون مقاومة ورفع شعار “نصر لا ثأر فيه”، الموقف الراقي الذي أدى إلى انهيار كامل في صفوف الجيش.

دمشق.. لحظة النصر

مع وصول فصائل الثوار متمثلة بإدارة العمليات العسكرية إلى أطراف دمشق فجر الثامن من كانون الأول، والتحول السريع في المعركة بدا واضحاً أن لا خيار لقوات النظام البائد إلا الانسحاب المتسارع من العديد من المواقع الاستراتيجية والثكنات والأفرع الأمنية، مما سهل لإدارة العمليات العسكرية دخول المرافق الحيوية في العاصمة مثل مطار المزة العسكري، وقصر الشعب، وسجن صيدنايا ومبنى الإذاعة والتلفزيون الذي كان ذلك بمثابة الشهادة الأخيرة على فقدان النظام البائد السيطرة على مفاصل السلطة في قلب البلاد.

في هذا السياق، يشير رشيد الحوراني إلى أن الانشقاقات داخل جيش النظام البائد لم تكن ظاهرة واضحة أو مؤثرة بشكل كبير، حيث أن معظم الجنود والضباط الذين كانوا في خطوط التماس لم يلتزموا بقرار الانشقاق بل فضلوا الهروب.

ويمكن القول إن هذا التلازم بين تقدم إدارة العمليات العسكرية وتفكك النظام البائد داخل العاصمة يبرز كيف أن انهيار قوات النظام البائد لم يكن فقط نتيجة للضغط العسكري، بل كان أيضاً متأثراً بالعوامل النفسية والمعنوية داخل جيش النظام البائد، الذي فقد إرادته القتال مع فقدانه السيطرة على العاصمة وانسحاب أغلب عناصره والرؤوس الأمنية إلى الساحل أحد أهم معاقل النظام بعد دمشق.

وختم حوراني حديثه بالتأكيد أن “تحرير حمص وحلب كان بمثابة فتح الطريق أمام المعارضة للسيطرة على باقي المناطق المحورية في سوريا، وأدى إلى انهيار الطوق الأمني حول دمشق. ولعبت العمليات النفسية والدعاية دوراً بالغ الأهمية في تحقيق هذه المكاسب، حيث جعلت جيش النظام البائد في حالة من الانهيار المعنوي”.

مقالات ذات صلة