تعزز المملكة العربية السعودية دورها العالمي في ابتكار حلول مستقبل المياه خلال فعاليات النسخة الرابعة من مؤتمر الابتكار في استدامة المياه (IDWS 2025) في جدة.
تركزت جلسات اليوم الثاني وأوراقه على مسارات التنفيذ العملي، وكيفية تحويل الرؤى إلى خطوات تطبيقية تحدث أثرًا ملموسًا في القطاع، مع تأكيد القيادات والخبراء على أهمية التحول وتعزيز التعاون بين القطاعات وتوظيف البيانات كركيزة لرفع الكفاءة والشفافية في منظومة المياه.
قدم برايان هارفي، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط في شركة Jacobs، رؤية استراتيجية للتحديات العالمية في أمن المياه وتطور الحلول، بما في ذلك المشروعات الكبرى وتقدم تقنيات التحلية وتوجيه ظهور مراكز إقليمية تقود مسيرة الابتكار في قطاع المياه عالميًا.
وأشار هارفي إلى مشروع نهر التايمز في المملكة المتحدة كنموذج عالمي لإدارة المياه الحضرية، حيث يجمع المياه الزائدة من مصارف وشبكات الصرف في لندن وينقلها عبر نفق بطول 24 كيلومترًا لمعالجتها، ما يسهم في بيئة أنظف ومدينة أكثر صحة.
ثم تحدث عن أن المشروع يمثل نموذجًا متقدمًا في التمويل، حيث يجمع بين استثمارات القطاعين العام والخاص لضمان الاستدامة، ومع تقدم العمل تتزايد الاستثمارات الخاصة ويقل الاعتماد على التمويل الحكومي، مما يجسد نهجا رائدا في تمويل البنى التحتية واسعة النطاق.
وفي جلسة أخرى، ناقش خالد المدبل، نائب الرئيس لتطوير الأعمال في ACWA Power، ومحمد اليوسف، المدير التنفيذي لتطوير الأعمال والنمو في الشركة السعودية لشراكات المياه، الدور المتسارع للقطاع الخاص السعودي في قيادة الاستثمار العالمي في بنية المياه التحتية، ودفع عجلة الابتكار والكفاءة، مدعومين برؤية المملكة 2030.
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة المياه
وفي جلسة متخصصة بعنوان نماذج المدن الذكية للمياه، ناقش المشاركون أثر الأنظمة الرقمية مثل أنظمة التحكم الإشرافي وجمع البيانات (SCADA)، والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في كشف التسريبات والتوائم الرقمية، وتحسين إدارة الشبكات ورفع كفاءة التشغيل.
وأكدت فكتوريا إدواردز، رئيسة ومؤسسة شركة FIDO Tech، ضرورة بناء عالم آمن مائياً، فالمياه ليست ضرورية للحياة فحسب بل هي أساس للنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتخفيف من آثار التغير المناخي، وشاركها النقاش نخبة من الخبراء العالميين لاستعراض دور البيانات والتحليلات الفورية في الحد من الأعطال، وتحسين الصيانة التنبئية، وترشيد التوزيع.
وفي سياق مماثل، حذر سام دي بو، الرئيس التنفيذي للأسواق العالمية في Ecolab، من الارتفاع السريع في استهلاك المياه المرتبط بتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، قائلاً إن الذكاء الاصطناعي قد يستهلك بحلول 2030 كمية من المياه تعادل الاحتياجات السنوية للشرب في الولايات المتحدة، وأضاف: يمكننا إنتاج المزيد من الطاقة، لكن لا يمكننا إنتاج المزيد من المياه.
كما تناول محمد علي، نائب الرئيس الأول ورئيس الاستشارات في IBM، قدرة الذكاء الاصطناعي على خفض تكاليف التشغيل بمليارات الدولارات وتحسين كفاءة الأصول والتنبؤ بالأعطال قبل وقوعها. وأوضح أن IBM خفضت التكاليف بنحو 3.5 مليار دولار عبر توظيف الذكاء الاصطناعي وإسناد 3000 وظيفة إلى موظفين رقميين، مشيراً إلى تعاون IBM مع الهيئة السعودية للمياه في تطوير منصة H2O لإدارة أصول المياه بكفاءة أعلى.
نماذج مبتكرة مستوحاة من الطبيعة
وناقشت الجلسات التقنية الاستخدام الدائري لمخرجات المياه وأنظمة المراقبة المتقدمة، بدءاً من إنتاج الأسمنت من الرجيع الملحي وصولاً إلى الأساليب المعتمدة على البيانات لتحسين التشغيل.
قدم الدكتور إبراهيم هندي، الرئيس التنفيذي لشركة ووتر للاستشارات الهندسية، عرضاً عن الأراضي الرطبة المنشأة ودورها في معالجة مياه الصرف عبر طبقات من الرمال والحصى، مشيراً إلى محدودية انتشارها سابقاً بسبب الاعتماد على نماذج أوروبية غير مناسبة للظروف المناخية المحلية.
وأوضح أن المشاريع التجريبية في مصر، ذات الظروف القريبة من البيئة السعودية، أتاحَت أول مقارنة علمية دقيقة للتطبيق.
كما قدمت كاثرين نايتنجيل، المديرة العالمية للشؤون الدولية في WaterAid، تحليلاً لبيانات تغيّر المناخ في مدن كبرى مثل نيروبي التي تعاني موجات جفاف وفيضانات حادة، ومع توقع هطول أمطار على جدة، أكدت أهمية تحسين امتصاص المياه الجوفية والاستعداد لتقلبات الطقس.
مذكرات تفاهم وتعاون بين رواد القطاع
وشهد اليوم الثاني توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين رواد القطاع، حيث وقعت الهيئة السعودية للمياه مذكرة تعاون مع المركز السعودي للاعتماد لتعزيز تنظيم قطاع خدمات المياه ورفع جودة الأداء.
ووقعت أيضاً اتفاقية مع شركة غازكو لتحسين إدارة الرجيع الملحي وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
وشهد اليوم الثاني توقيع اتفاقيات إضافية مع GI Aqua Tech وتميمي للطاقة وSpectromarine والخريف لتقنيات المياه، بهدف تحسين الأداء التشغيلي وتطوير الخدمات.
كما أعلنت Italmatch Chemicals وIntellisense عن شراكة لدمج الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات التحلية بالتناضح العكسي والعمليات الكيميائية.
وقال المهندس محمد آل الشيخ، وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه: “يجسد اليوم الثاني من المؤتمر التقدم الكبير للمملكة في تطبيق حلول عالمية المستوى لمواجهة تحديات المياه، من الشراكات العابرة للقطاعات إلى مبادرات الاقتصاد الدائري، ومن إدارة المخلفات إلى تعزيز الشفافية. ما نشهده اليوم يعكس التزام المملكة بالتحوّل الفعّال وبناء مستقبل مائي يتميّز بالمرونة والقوة للجميع”.
وتستمر فعاليات اليوم الثالث من المؤتمر يوم الأربعاء، حيث يتحول التركيز إلى استثمار التحديات العالمية وتحويلها إلى فرص للنمو والابتكار والمرونة طويلة المدى، مع إبراز الدور الريادي للمملكة في قيادة هذا التحول العالمي عبر حلول عملية ورؤى مستقبلية جريئة.







