تصاعدت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة التي وضعت القلق الإقليمي في الواجهة، مع تصاعد نبرة التهديد تجاه إيران وحزب الله والحوثيين، في توقيت بالغ الحساسية تتشابك فيه الجبهات العسكرية مع الحسابات السياسية الداخلية والخارجية.
وفي قراءة تحليلية معمقة، يقدم سيد غنيم، أستاذ زائر في الناتو وأكاديمي من الأكاديمية الملكية العسكرية ببروكسل، مقاربة ترى أن هذه التصريحات جزء من حرب لم تتوقف ومعادلات قوة يسعى نتنياهو لإعادة رسمها، مدعوماً برهانات داخلية ودعم خارجي يأمل في توسيعه خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن.
الحرب مستمرة ووقف النار من طرف واحد
يرى غنيم أن الحرب عملياً لم تنتهِ حتى في ظل الحديث عن وقف لإطلاق النار، فالوضع هو وقف أحادي الجانب حيث يستمر تبادل النيران والضربات عبر حزب الله، إضافة إلى ضربات تستهدف بنى عسكرية ومواقع داخل مناطق محددة، إضافة إلى استهداف عناصر فلسطينية بحجة قربها من الخط الأصفر.
كما يشير إلى أن الردود الإسرائيلية على هجمات الحوثيين غالباً ما تكون فعالة، في حين أن الحشد الشعبي في العراق بات مهدداً بشكل مباشر، مع تصاعد المطالبات بنزع سلاحه.
ويؤكد غنيم أن اختلاف مقاربات نزع السلاح بين الفاعلين يعكس طبيعة الصراع؛ فبعض الأطراف يطالب بنزع سلاحه دون قتال مسبق، فيما يُربط ذلك بالنسبة لحزب الله وحماس بسياق القتال نفسه، ما يعني أن الحرب، وفق هذا المنطق، ما زالت مفتوحة.
خطاب نتنياهو والرهان على الداخل
يحلّل غنيم خطاب نتنياهو باعتباره موجهاً أساساً إلى الداخل الإسرائيلي. الجمهور ينتظر منه وعدين أساسيين: القضاء على أي تهديد يواجه إسرائيل، وتقديم ما يشبه “الكعكة السياسية” التي تضمن له دعماً شعبياً في مواجهة أزماته القضائية.
ومن هذا المنطلق، يعتبر أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب التي بدأها في السابع من أكتوبر إلا بعد تحقيق أهدافه المعلنة، وعلى رأسها تغيير معادلة القوة والنفوذ في المنطقة، حيث تمثل القوة عناصر القوى الشاملة لإيران، بينما يرمز النفوذ إلى أذرعها في المنطقة.
شعبية متقلبة وعجلة الحرب
يشير غنيم إلى أن شعبية نتنياهو شهدت تراجعاً حاداً بعد السابع من أكتوبر، ثم ارتفعت نسبياً مع فتح جبهات اعتبرها البعض حققت إنجازات، قبل أن تعود وتتراجع مجدداً.
وفي المقابل، يراهن نتنياهو على “عجلة الحرب”، مدفوعاً برأي عام يرى أن استمرار المواجهة هو السبيل لإنهاء التهديدات المحيطة بالدولة، رغم أن الجمهور يتمنى نهاية الحرب، ولكن بشروط تصب في مصلحة إسرائيل.
زيارة واشنطن والسعي إلى الضوء الأخضر
في سياق حديثه عن زيارة نتنياهو المرتقبة إلى الولايات المتحدة، يرى غنيم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يسعى فقط إلى ضوء أخضر سياسي، بل يتطلع أيضاً إلى مشاركة أميركية مباشرة في ضرب إيران إذا سُمح الظرف بذلك.
ويؤكد أن ما يُعلن ليس مجرد خطاب موجه للداخل، بل يرافقه تنفيذ ميداني تدريجي، في إطار مسار لن يتوقف قبل تحقيق الهدف النهائي.
الموقف الأوروبي والتحفظات المتزايدة
على الصعيد الأوروبي، يوضح غنيم أن الموقف لم يعد كما كان سابقاً؛ أوروبا تميّز بين دعم إسرائيل في مواجهة التهديدات المباشرة ورفضها الاستمرار في حرب تطال المدنيين، حتى وإن قدمت مبررات غير مقصودة لذلك. هذا التحول يفرض قيود إضافية على هامش المناورة الإسرائيلية.
اختلال التوازن الإقليمي وحدود القوة الإسرائيلية
ينتقل غنيم إلى تحليل أعمق لمعادلات القوة في الإقليم، مؤكداً أن القضاء الكامل على قدرات إيران ليس في مصلحة الدول العربية، لأنه يخلّ بميزان القوة. ويصف إسرائيل بأنها قوة إقليمية نوعية ذات تأثير مؤقت، وليست قوة إقليمية شاملة، نظراً لمحدودية عمقها الاستراتيجي وحجمها الديموغرافي.
فالقوة الحقيقية تقوم على عناصر شاملة سياسية واقتصادية وعسكرية وبشرية وتكنولوجية، وهي عناصر لا تمتلكها إسرائيل بالقدر الذي يؤهلها لفرض نفوذ طويل الأمد.
الاعتماد على واشنطن وحدود النصر
يختم غنيم تحليله بالإشارة إلى أن تهديد الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل يبقى قائماً، رغم سعيها لتقليص الاعتماد قبل عام 2030. ومع ذلك، تُظهر القدرات الإسرائيلية الحالية قدرتها على هزيمة تنظيمات غير دولية، لكنها لا تؤهلها لتحقيق نصر حاسم على دولة ذات سيادة كما في إيران.
ومن هنا، يقرأ زيارة نتنياهو إلى واشنطن كمحاولة لإقناع الولايات المتحدة بخوض حرب شاملة إلى جانب إسرائيل ضد إيران، على غرار ما جرى في تجارب سابقة، لتحقيق ما تعجز عنه إسرائيل منفردة.







