رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | تصعيد الساحل السوري بين الاحتجاج والتهديد الأمني

شارك

تشهد منطقة الساحل السوري تصاعداً أمنياً متزامناً مع حركة احتجاجية متوترة أسفرت عن سقوط قتلى ومصابين من عناصر الأمن الداخلي في اللاذقية وطرطوس، عقب تعرضهم لإطلاق نار مباشر أثناء تظاهرات جاءت على خلفية تفجير في حمص.

في هذا المشهد المعقّد، تداخلت شعارات معيشية مع هتافات سياسية ودعوات فئوية، ما فتح باباً واسعاً أمام أسئلة حول طبيعة ما يجري وحدود التهديدات الأمنية والقدرة الراهنة للدولة السورية على احتواء الأزمة ومنع تمددها.

قراءات تحليليّة تجمع العامل الاقتصادي بنبض الأزمة

في هذا السياق قدّم عمار وقاف، مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث، وحسن الدغيم قراءةً تحليليّة تركز على العامل الاقتصادي وتختلف في تقييم الأداء الأمني وطريقة المعالجة الأنسب للأزمة.

من الاعتصام إلى الشارع: تراكم الاحتقان

يربط وقاف بين الاعتصام وما سبقه من أحداث، مشيراً إلى أن الهجوم على أحياء العلويين في حمص الشرقية شكّل لحظة فاصلة دفعت الناس لإدراك حجم الاستباحة. يرى أن الاعتصام الذي جرى لاحقاً أسهم في تخفيف الاحتقان، إلا أن قضايا الاقتصاد والسياسة بقيت بلا حلول في محطات لاحقة، ومنها تظاهرات اليوم.

فشل المعالجة وارتداداتها الأمنية

ينتقد وقاف أسلوب التعامل مع الاحتجاجات ويؤكد أن ما جرى من اقتحامات وتخريب وإطلاق نار وقتل لا يمثل معالجة سليمة. يضيف أن غياب استراتيجية واضحة يجعل الناس فريسة للتحريض ويدفع البلاد تدريجياً إلى دوامة عنف وتدهور اقتصادي وخطر على الأرواح والعيش المشترك.

الاقتصاد كمحور المطالب

يضع وقاف العامل الاقتصادي في صلب الأزمة، موضحاً أن تسريحات مئات آلاف الموظفين منذ سقوط النظام السابق حرم الساحل من موارده الأساسية، فاقتصاده يعتمد على الرواتب. وتسبّب تسريح أعداد كبيرة من العمال، بمن فيهم مدرسون وعمال مرافئ، بشلل محلي وجوع واحتقان، مع إهمال خبراتهم وعدم إعادة توظيف جزء منهم.

الاعتقالات والمختطفون واستمرار القتل

يرى وقاف أن ملف المعتقلين من القضايا الملحة، ويدعو إلى إحالتهم إلى المحاكمة أو الإفراج عنهم انتظاراً، رافضاً إبقاء الآلاف رهن الاحتجاز. كما يشير إلى تحسن محدود في ملف المختطفين، إلا أن القتل لا يزال مستمراً ويعمّ اليأس في المجتمع.

القادة المجتمعون وخلل التعاطي الرسمي

يؤكد وقاف أهمية وجود قادة مجتمعيين نزيهين كجسور للحوار، وينتقد اعتقال شخصيات موثوقة بدلاً من التعاون معها، معتبرًا أن هذا النهج يعزز القطيعة ويضعف فرص الحل، فلا يمكن فرض قيادات لا يثق بها المجتمع.

الفيدرالية وعدم الاستقرار: تحذير من الوهم

يحذر وقاف من آلة كذب تروّج لحلول سحرية وتؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار، معتبرًا أن ذلك سيمنع دخول الأموال ويؤخر الاستثمار. ويؤكد أن جوهر المشكلة اقتصادي، وأن تامين الحد الأدنى من الحياة الكريمة كفيل بإحداث تحسّن، محذراً من أن استمرار النهج الحالي يقود إلى مصيبة لا يستفيد منها أحد.

الأزمة الاقتصادية كمصدر توتر وفقاً للدغيم

يرى حسن الدغيم أن تفكيك بنية عسكرية وأمنية مرتبطة بنظام دام ستين عاماً لا يحدث بين ليلة وضحاها، وأن جزءاً من المجتمع لم ينسَ وهج السلطة. ويشرح أن التفكيك يجري وسط مجتمع تضرر بتسريح آلاف العاملين في الجيش والأمن والحواجز والشبيحة، ما أسهم في أزمة اقتصادية حادّة في الساحل وتنامت دعوات فئوية وجهوية وطائفية يستغلّها مفصولون للمطالبة بمصالح اقتصادية عبر دعوات فئوية.

الإطار الأمني والاقتصادي ومسار الاستقرار

يؤكد الدغيم أن الدولة لم تفشل أمنياً بل حقَّقت إنجازات مهمة، مشيراً إلى وجود دولة تقود ضبط النفس وتحمّي التظاهرات السلمية وتفرض وجودها دون الانجراف إلى العنف، بالرغم من صِدّ التحديات الميدانية. ويشير إلى أن رفع العقوبات ظاهرياً لكنه لم يترجم إلى تدفّق فعلي للموارد إلى البنك المركزي، فيما يظل الريع النفطي والغازي جزءاً من أدوات قوى محلية تؤثر في الرواتب والاحتياجات الاقتصادية العاجلة.

يبيّن الدغيم أن الوحدة الوطنية مهدّدة، مشيراً إلى وجود ضباط النظام الهاربين إلى لبنان وعصابات الحرس الوطني، إضافة إلى قسد التي تحتجز جزءاً من الريع وتستغل خطاب حماية الأقليات لإدامة الفوضى وإثارة أوهام الفيدرالية والتقسيم. ويؤكد أن تفادي استغلال المحرضين يتطلب التزام الدولة برؤيتها وتجنب رد الفعل، مع الإشارة إلى توجيهات رسمية بضبط النفس وأن غالبية أبناء الطائفة العلوية ملتزمون بالدولة ويرفضون الفيدرالية ويحتاجون لصبر حتى تتيح الاستثمارات الموارد.

يعطي الدغيم الأولوية لسياسة عدالة انتقالية تجمع بين ضبط الأمن وحرص على كرامة المواطنين، مع دفعات رواتب عاجلة للمحتاجين وتحسين ظروف النساء والأطفال والمجتمعات المتضررة، إضافة إلى إطلاق سراح الموقوفين من دون دماء وتعاون مع وجهاء الساحل كسبيل لقطع ذرائع الفوضى وفتح آفاق للاستقرار، بما يحقق تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

مقالات ذات صلة