عودة قوية إلى عموم الأسواق والمتاجر وكذا خدمات التغليف والتلفيف بصمَت عليها بعض أنواع الأكياس البلاستيكية، من مختلف الأشكال والألوان، لم تخطئها أعيُن فعاليات ونشطاء البيئة، الذين نددوا في إفادات استقتها هسبريس بما وصفوه “تهاونًا وتراخياً” من قبل السلطات المختصة في المراقبة وإنفاذ القانون 15-77 الذي يمنع استعمال وتسويق هذه الأكياس، والذي صاحبته حينها حملة شهيرة حملت شعار “زيرو ميكا”.
ويبدو أن خطورة الموضوع “استنفرت” حتى مهنيّي صناعة البلاستيك المُلتئمين ضمن “الفيدرالية المغربية للبلاستيك ” المنضوية تحت الاتحاد العام لمقاولات المغرب، منبهين إلى “خطر انتشار القطاع غير المهيكل عبر ظهور مصانع سرية لتصنيع البلاستيك أو إعادة تدويره”.
ووفقاً لأحدث تقديرات الفدرالية المهنية المذكورة، فإن صناعة البلاستيك غير المهيكلة تُدرّ أكثر من ملياري درهم (ما بين 20 و30 بالمائة من إجمالي رقم معاملات القطاع بالمغرب، الذي يضم في المجمل حوالي 660 مقاولة).
وسعياً وراء مزيد من الإضاءات والإفادات حاولت هسبريس التواصل مع رئيس الفدرالية سالفة الذكر، غير أنه ردّ بأنه يوجد خارج الوطن ولا يمكنه الحديث في الموضوع، متفادياً الإجابة باستفاضة عن أسئلة الجريدة حول الموضوع.
راهنية الموضوع وخطورتُه تزدادان إلحاحاً عند الاطلاع على تفاصيل دراسة عالمية مخصصة لمشكلة “التلوث البلاستيكي” نُشرت بحر الأسبوع الحالي، وأكدت خطر “النفايات غير المجمّعة باعتبارها المصدر الرئيسي للتلوث البلاستيكي في دول الجنوب”. فيما شدد فريق من الباحثين من جامعة “ليدز” أعدّوا الدراسة على “مخاطر اللجوء المتكرر إلى الحرق العشوائي لهذه النفايات، وتوصلوا إلى خلاصة برقم صادم: “52,1 مليون طن من البلاستيك تم رميها في البيئة عام 2020”.
نشطاء وفاعلون بيئيون مغاربة، تحدثوا لجريدة هسبريس، تأسفوا على هذه “الطفرة الحادة في استخدام وترويج الأكياس البلاستيكية المحظورة قانونياً”، مسجلين ضعف تنفيذ القانون المذكور بعد 8 سنوات على دخوله حيز التنفيذ، وهو ما أكده أيوب كرير، الباحث في القضايا البيئية ورئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة”، قائلا إن “الوضع على أرض الواقع والممارسة مختلف تمامًا عمّا نص عليه القانون”.
ورفض كرير، في تصريح لهسبريس، القول بأن “بعض المصانع السرية وراء عودة انتشار “الميكا” بالمغرب”، معتبرا أن ذلك “مُسوّغ لا يُعتد به، فلا وجود لشركات خفية دون علم السلطات المختصة بمختلف أنواع اختصاصاتها ومستويات تدخُّلاتها”، لافتا إلى أن عودة الأكياس البلاستيكية لا تفسير له سوى الإحالة على سوء التسيير والفشل الرسمي لتدخل حاسم وحازم تجاه مروّجي هذا النوع من الملوثات”.
وأكد أن “هذا الفشل في محاربتها قد يُعزى إلى ضغط لوبي المصنعين، رغم قيادة مختلف السلطات خلال السنوات الأخيرة عملية محاربة أكياس البلاستيك والحد من ترويجها، رافعة شعار الحفاظ على البيئة، حيث تم حجز كميات مهمة من الأكياس البلاستيكية وتوقيف العديد من المروجين لهذه الأنواع المحظورة قانونياً بالموازاة مع تنظيم المغرب سنة 2016 مؤتمر الأطراف الأممي حول المناخ كوب22”.
وتساءل رئيس الجمعية البيئية ذاتها عن “السبب الحقيقي وراء تعليق أو تراخي عمليات التدخل لمحاربة الأكياس البلاستيكية في السنوات الأربع الماضية”، داعياً إلى تفعيل “قانون زيرو ميكا” بشكل حقيقي وحاسم ورادع”، مؤكدا أن “الفاتورة البيئية والصحية للبلاستيك باهظة وتتجاوز تعاملات القطاع غير المهيكل المُصنّع لهذه الأكياس غير المسموح بها قانونياً”.
ونبه إلى أن “فاتورة التراخي هي بيئة وصحة المغاربة”. كما أثار في السياق ذاته إشكالية استمرار ترويج المشروبات الغازية والمياه في قنينات بلاستيكية لا تحترم المعايير الصحية- البيئية الدولية. وتأسف لكون المغرب “ما زال بعيداً عن حملات مقاضاة شركات المشروبات الغازية لاستعمالها قنينات البلاستيك ومكوناته المجهرية الخطيرة التي لا تخلو منها أمعاء المغاربة”.
“بدائلٌ بلا أثر”؟
من جهته أكد محمد بنعطا، الناشط البيئي ومنسق “التجمّع البيئي لشمال المغرب”، أن “البدائل التي أقرّتْها السلطات المعنية المغربية لم تكن في مستوى تعويض الأكياس البلاستيكية، بالنظر إلى الأثر البيئي المضرّ والمدمر، وهو ما يتضح ليس فقط في خطورة تصنيعها أو تسويقها، بل رمْيها في جنبات الشواطئ والمجاري المائية والمجالات الغابوية”، منبهاً إلى “تداعيات صحية وخيمة يسبّبها استمرار عصر البلاستيك”.
وأبرز بنعطا، متحدثا لجريدة هسبريس، أن “تطبيق القانون لم يُعط نتيجة ملموسة من حيث الحدّ الفعلي لاكتساح الأكياس البلاستيكية للأسواق، وكذا بعض الصناعات المختصة في التلفيف والتغليف”، خاصاً بالذكر “صناعة المشروبات الغازية وقنينات المياه”، التي لفت إلى صعوبة تَحلُّلِها في التربة بعد استخدامها ورميها في جنبات المدن أو الغابات والشواطئ.
الفاعل البيئي ذاته اعتبر تجربة المغرب في محاربة أكياس البلاستيك “غير ناجحة”، مشيرا إلى أن “وزارة البيئة أعدّت سنة 2016 برنامج أكياس الثوب البيئية، دون أن تقوم بتعميمه في مختلف جهات المملكة، واكتفت فقط باختيار مدن طنجة والدار البيضاء ووجدة.. وهو برنامج تحسيسي جد مهم، لكنه لم يكن كافياً ليعطيَ النتائج المتوخاة منه”.
وتابع قائلا: “للوصول إلى غاية التخفيف من الأكياس البلاستيكية واكبْنا كفعاليات بيئية القطاع الوزاري المكلف بالبيئة في تنزيل الشطر الأول من البرنامج بمدينة وجدة، غير أنه لم يتم استكمال المشروع في شطره الثاني وتوقّف دون سبب واضح”.
وأضاف أن “عدم توفير بدائل مناسبة لبعض السلع ساهم في عودة المغاربة إلى استعمال أكياس البلاستيك ببعض المتاجر، في ظل ضعف المراقبة”، داعياً إلى تقديم البديل للمستهلك والتجار، واقترح أن “يتم العمل ضمن استراتيجية مندمجة لمواجهة هذا المشكل العويص عبر توفير بلاستيك قابل للتحلل مع الزمن، وبسعر اقتصادي تنافسي تشجع عليه الدولة”.