أزمة الثقة بين الصين والجزائر تلقي بظلالها على مستقبل التعاون بين البلدين وتفتح الباب أمام تحولات استراتيجية قد تعزز مصالح المغرب، خاصة في قضية الصحراء المغربية.
القرار الأخير لشركتي ويهيان و تيان ان بالانسحاب من مشروع الفوسفات في منطقة تبسة، رغم كونه محوريا في زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الصين، يعكس خللا عميقا في المناخ الاستثماري الجزائري.
التبريرات التي قدمها وزير الطاقة الجزائري بشأن عدم قدرة الشركات الصينية على توفير التمويل غير مقنعة، وتثير المزيد من الشكوك حول قدرة الجزائر على توفير بيئة استثمارية جاذبة.
الانسحاب، الذي يعد الثاني بعد تراجع الصين عن مشروع الحديد بغار جبيلات في تندوف، يشكل ضربة جديدة للنظام الجزائري، ويضعف مصداقيته أمام المستثمرين الدوليين. وبذلك، تتعمق أزمة الثقة بين الجزائر والصين، ما يفتح المجال أمام بكين لإعادة النظر في شراكاتها الإقليمية وتوجيه استثماراتها نحو دول أكثر استقرارا وجاذبية، مثل المغرب. في هذا السياق، كشفت تقارير عن احتمالية قيام الصين بخطوة غير مسبوقة تتمثل في افتتاح قنصلية عامة في مدينة العيون، وهو ما قد يفسر كإشارة ضمنية لاحتمال اعترافها بمغربية الصحراء.
زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى جزر الكناري وطرح مقترح لإنشاء جسر اقتصادي يربط بين الأقاليم الجنوبية للمغرب وجزر الكناري الإسبانية يعكسان اهتمام الصين بتعزيز حضورها الاقتصادي في إفريقيا عبر البوابة المغربية. هذه التحركات تعكس وعيا استراتيجيا صينيا بقدرة المغرب على لعب دور محوري في الربط بين أوروبا وإفريقيا، خاصة عبر الأقاليم الجنوبية التي تشهد نهضة تنموية لافتة.
الصين، التي تسعى لتعزيز موقعها في إفريقيا دون الاصطدام بالمصالح الأوروبية، تدرك أهمية المغرب كحليف استراتيجي يتمتع بعلاقات قوية مع أوروبا والولايات المتحدة. وفي حال تأكد افتتاح القنصلية الصينية في العيون، ستنضم الصين إلى الولايات المتحدة وفرنسا كأعضاء دائمين في مجلس الأمن يدعمون مغربية الصحراء. هذا التحول سيكون بمثابة ضربة موجعة لجبهة البوليساريو وحلفائها، خاصة الجزائر، التي تجد نفسها في عزلة متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
التطورات الأخيرة تؤكد أن المغرب نجح في توظيف مقاربته التنموية والسياسية لجذب الدعم الدولي لقضيته الوطنية. وفي الوقت الذي تعاني فيه الجزائر من تراجع ثقة المستثمرين وتراجع نفوذها الإقليمي، يواصل المغرب بناء شراكات اقتصادية واستراتيجية قوية تعزز مكانته كفاعل أساسي في إفريقيا.
اعتراف الصين بمغربية الصحراء، إن حدث، سيكون له تأثيرات عميقة تتجاوز البعد الدبلوماسي، ليشمل دعم الاستثمارات والتنمية في الأقاليم الجنوبية، مما يعزز الدور المغربي كجسر اقتصادي وسياسي بين القارات.